نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
إلى أين تتجه المنطقة بعد الضربة الأميركية على مفاعلات إيران النووية؟ - تكنو بلس, اليوم الثلاثاء 24 يونيو 2025 05:04 صباحاً
"ما قبل الضربة الأميركية على إيران، ليس كما بعدها". ورغم فاعلية الضربات، التي نفذت، فليس من الضروري أن تذهب إيران إلى صنع السلام وفق ما قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب، إذ من يتابع المواقف الإيرانية ومن يدر في فلك العدائية للولايات المتحدة الأميركية قبل تنفيذ الهجوم يدرك أن المنطقة تنزلق أكثر نحو دوامة من العنف التي قد تنتهي على قاعدة "منتصر ومهزوم"، وأن السلام المنشود قد لا يأتي عن طريق فرض القوى كما قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
مهما خلّفت الضربات الأميركية من أضرار في المنشأت، فإن هذا لا يعني أن المنطقة ذاهبة نحو السلام الأميركي والإسرائيلي، وما يأمل فيه الرئيس الأميركي من أن تؤدي الضربات على المنشآت إلى جلب طهران إلى طاولة المفاوضات قد يكون مجرّد وهم، لأنّ الأمور باتت مفتوحة على الاحتمالات كافة، وعلى رأسها فتح الصراع على مصراعيه، مما سيضع المصالح الأميركية والقواعد العسكرية الأميركية المنتشرة في المنطقة إزاء خطر التصعيد.
أطلقت واشنطن في ضرباتها هذه الضوء الأخضر أمام الفصائل الموالية لإيران في المنطقة لتفعيل عملياتها العسكرية وفتح أكثر من جبهة قتالية بعدما ظلت على مدة أسبوع محصورة بين الهجوم الإسرائيلي والردّ الإيراني. وإن الحرب قد تشهد تصعيداً يطال مفاعل إسرائيل النووية، التي كان أحد المسؤولين في الحرس الثوري الإيراني قد وضعها من ضمن بنك أهداف صواريخ إيران الباليستية، لكن ليس على شكل تدمير بل لرد الاعتبار للإيراني.
يضع المتابع مجموعة من السيناريوهات التي قد تدخل المنطقة فيها. ولكنّ الأكيد أن الأميركي لم ينفّذ ضرباته استجابة لرغبة نتنياهو، ولا نزولًا عند ما يرضي غرور هذا الرجل الذي -على ما يبدو- لن يرضيه إلا حرب كبرى في المنطقة، كما قال الرئيس الأسبق للولايات المتحدة بيل كلينتون، في إحدى مقابلاته التي أجراها السبت 21 حزيران/ يونيو الجاري.
يريد حقاً الأميركي السلام، ويريد التوصل إلى اتفاق مع النظام القائم في إيران، وهو بالطبع يخشى المواجهة الكبرى، لكنّه في الوقت ذاته لن يسمح لإيران بامتلاك السلاح النووي، ولن يسمح بامتداد نيران الحرب إلى دول أخرى. لهذا لجأ الأميركي إلى تنفيذ ضربات "ردعية" لا هجومية، بمعنى أنه يريد من خلالها أخذ إيران إلى طاولة المفاوضات.
أخذ طهران إلى التفاوض لن يكون عبر الضربات فقط، بل عبر إيجاد الحالة الاحتوائية التي نجحت إلى الآن في فرضها الديبلوماسية الأميركية قبل أيام من توجيه الضربات. فهي حاورت الروسي مباشرة، وهذا ما طرح معادلة "النووي الإيراني مقابل تعزيز روسي في أوكرانيا"؛ وما صرّح به الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن أوكرانيا وروسيا بلد واحد لا يعني أنّه يريد ضمّ أوكرانيا، ولكنّه يريد التخلص من النظام القائم في كييف ليأتي بآخر حليف لموسكو بتغطية أميركية.
ليس الروسي من احتواه الأميركي، بل هناك الباكستاني الذي عبّر في أكثر من مناسبة عن الوقوف إلى جانب إيران في هذه الحرب. فالباكستاني لا يريد الفوضى على حدوده مع إيران، إذ يكفيه ما أحدثه الأميركي في أفغانستان، ويكفيه أيضاً النزاع العسكري مع الهندي القابل للتجدد. ولكنّ جل ما يحتاجه نظاماً ضعيفاً في إيران يكون متماسكاً؛ وهذ ما وعد به ترامب قائد الجيش الباكستاني الذي كان على مأدبة الغداء في البيت الأبيض.
يدرك الأميركي أن سياسات إدارة بايدن سبّبت تباعداً لحلفاء واشنطن، وجعلت البعض يذهب في اتجاه معاكس (مصر نموذجاً). هذا ما تلقفه ترامب، وذهب بعيداً في محاكاة هواجس المصري، بشأن سدّ النهضة، وتحدّث باللغة التي ترضي الخاطر المصري، من خلال الاعتراف بخطأ إدارة جو بايدن على إعطاء أثيوبيا الامتيازات. فالأميركي اليوم لا يريد توسيع دائرة الحرب، كي لا يعيد مشهدية فيتنام في إيران، ولكنّ جلّ ما يريده إعادة التوازن إلى المنطقة، بعدما شعر الجميع بأن المدّ الإيراني بات خطرًا على مصالح الدول، حتى العربية منها.
إنّه سباق بين الديبلوماسية والتصعيد العسكري. الحديث عن الذهاب بالمنطقة نحو تغيير وجهتها بحسب الرؤية الإسرائيلية لم يزل حلم نتنياهو بعيد المنال، إذ أثبتت إيران قوتها في قدراتها الصاروخية وليس في امتلاكها الأسلحة النووية؛ وهذا ما ترجمته بعد الضربات الأميركية بساعات قليلة حين أطلقت مجموعة من الصواريخ على حيفا وتل أبيب. إنّ هذه القدرة على إطلاق الصواريخ تبقى من أوراق القوة لدى طهران، ولاسيما أن الحديث بدأ يتصاعد في الداخل الإسرائيلي عن نفاد مخزون إسرائيل في دفاعاتها الجوية، وعن القدرة المالية المرتفعة التي تتكبدها.
ليست القوة الصاروخية الإيرانية هي الرادعة الوحيدة لجموح نتنياهو نحو تفجير المنطقة، بل هناك الدور الديبلوماسي الفاعل من الجانب القطري والتركي والمصري على صعيد المنطقة المعارض لعدوانية إسرائيل، والذي سيشكل جسر عبور نحو فرض السلام العادل والمتوازن، إضافة إلى الرفض العربي بشكل مطلق لجعل المنطقة ترزح تحت ما يسمى "السلام النتنياهوي" ذو التوجه اليميني المتطرف لفرض الاستسلام على شعوب ودول المنطقة.
إن تنفيذ الضربات الأميركية ليس دليلاً على أنه انتصار ميداني لإسرائيل، بقدر ما يؤكد على الإصرار الأميركي على فرض مبدأ التسويات على قاعدة احتواء الصعود الإيراني وإزالة تهديداته. لهذا يصر الرئيس الأميركي على أخذ إيران إلى طاولة المفاوضات، وأن هذه الضربات أوصلت الرسالة. لكن التساؤل المطروح هل ستأخذ إسرائيل من الضربة الأميركية ذريعة لوقف حربها، أم أن للنظام في إيران رأياً آخر يرتكز على قاعدة "عليّ وعلى أعدائي"؟
-المقاربة الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة رأي مجموعة "النهار" الإعلامية.
0 تعليق