نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
بين ركام الصراعات وأزيز الصواريخ... هل يتشكّل شرق أوسط جديداً؟ - تكنو بلس, اليوم الخميس 19 يونيو 2025 02:04 مساءً
شانتال عاصي
في ظلّ تصاعد التوترات الجيوسياسية، يشهد الشرق الأوسط فصلاً جديدًا من الصراع التاريخي بين إيران وإسرائيل، لكن هذه المرة على نطاق غير مسبوق. فالحرب الدائرة حاليًا لم تعد تقتصر على الضربات المحدودة أو المواجهات غير المباشرة فحسب، بل تحوّلت إلى مواجهة مفتوحة تحمل في طيّاتها دلالات استراتيجية خطيرة، خصوصاً بعد الضربات المتبادلة التي طاولت عمق الأراضي الإيرانية والإسرائيلية.
خسائر فادحة في الداخل الإيراني
تشير التقارير العسكرية والاستخباراتية إلى أن إيران تكبّدت خسائر غير مسبوقة في البنية التحتية الحيوية، خصوصًا في المنشآت العسكرية ومراكز الاتصالات الجوية ومخازن الصواريخ. ويُقال إن الهجمات الإسرائيلية استهدفت بدقة مراكز تطوير الطائرات المسيّرة التابعة للحرس الثوري، ومنشآت عسكرية قرب أصفهان وطهران.
كذلك سُجلت ضربات على قواعد الحرس الثوري في الأحواز ومناطق أخرى تُعتبر حساسة عسكريًا. إلى جانب التأثير النفسي والمعنوي على الشارع الإيراني، حيث بدأت أصوات المعارضة تتعالى من جديد، مستغلة الوضع الأمني الهش والضغوط الاقتصادية المتراكمة. وقد تم توثيق هذه المعارضة من خلال فيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي وأبرزها X.
إسرائيل تستثمر في التفوق التكنولوجي
في المقابل، يبدو أن إسرائيل لا تزال تعتمد على تفوقها الاستخباراتي والتقني، وهو ما يُترجم في دقة الضربات التي نفّذتها خلال الأيام الأخيرة. ومع أنها بدورها تكبّدت بعض الخسائر، إلا أنها تمكّنت حتى الآن من الحفاظ على زمام المبادرة في المواجهة، معززة ذلك بغطاء دفاعي صاروخي فعّال ونظام إنذار مبكر محكم. فقد استطاعت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، وعلى رأسها جهاز الموساد ووحدة الاستخبارات العسكرية، رصد مواقع حساسة تابعة للحرس الثوري الإيراني، وتحديد أهداف نوعية بدقة، ما يشير إلى اختراقات استخباراتية عميقة داخل العمق الإيراني.
أما من الناحية التقنية، فتعتمد إسرائيل على منظومة متقدمة من الذكاء الاصطناعي والطائرات المسيّرة القتالية لجمع المعلومات وتنفيذ الضربات الجوية، إلى جانب أنظمة الحرب السيبرانية التي يُعتقد أنها عطلت شبكات القيادة والسيطرة الإيرانية في بعض المواقع أو أربكتها. وقد ساهم هذا المزيج بين التكنولوجيا والذكاء الميداني في تمكين إسرائيل من توجيه ضربات استباقية دقيقة بأقل قدر ممكن من الأضرار الجانبية.
وعلى الصعيد الدفاعي، لا تزال منظومة "القبة الحديدية" تلعب دورًا محوريًا في صدّ الهجمات الصاروخية، إلى جانب أنظمة مثل "مقلاع داود" و"آرو 3" التي صممت لاعتراض الصواريخ الباليستية المتوسطة والبعيدة المدى. هذه البنية الدفاعية المتطورة مكّنت إسرائيل من تحييد جزء كبير من التهديدات الواردة من الأراضي الإيرانية أو من حلفاء طهران في المنطقة، مما منحها هامش مناورة أوسع وقدرة على التحكم في إيقاع التصعيد.
صورة تعبيرية (وكالات)
تدخل أميركي محتمل: بين الحذر والتصعيد
السؤال الأبرز في هذه المرحلة هو: هل تتدخل الولايات المتحدة في هذه الحرب؟
حتى الآن، حافظت واشنطن على موقف حذر، داعية إلى ضبط النفس ووقف التصعيد، لكنها في الوقت ذاته عززت وجودها العسكري في الخليج العربي ونشرت مزيداً من قطعها البحرية قرب مضيق هرمز، ما يوحي جاهزية لأي تطور مفاجئ.
ويتداول بعض الأوساط أن الإدارة الأميركية وضعت "خطة طوارئ" تتضمن توجيه ضربات محددة في حال تجاوزت إيران بعض الخطوط الحمراء، خصوصاً في حال توسيع نطاق المواجهة ليشمل حلفاء واشنطن في المنطقة أو استهداف مصالحها المباشرة.
منشأة "فوردو".. الخطر النووي في قلب المعركة
من أكثر السيناريوهات إثارة للقلق، إمكان توجيه ضربة إسرائيلية أو أميركية إلى منشأة "فوردو" النووية الواقعة في عمق الجبال الإيرانية قرب مدينة قم. هذه المنشأة، المصممة لتحمّل القصف الجوي، تُعتبر من أكثر المواقع تحصينًا في إيران، وتلعب دورًا محوريًا في برنامج التخصيب النووي الإيراني.
استهداف "فوردو" سيُعد تصعيدًا غير مسبوق، وقد يجرّ المنطقة إلى دوامة من الردود الانتقامية لا يمكن التنبؤ بعواقبها. وعلى رغم أن الضربات الجوية الإسرائيلية حتى الآن تجنّبت المنشآت النووية بشكل مباشر، إلا أن استمرار التصعيد قد يغيّر قواعد الاشتباك.
ماذا عن حلفاء إيران؟
حتى الآن، لا تزال مسألة تدخّل حلفاء إيران الإقليميين والدوليين لمساندتها في حربها التي باتت، على الأرجح، معركة وجودية ضد إسرائيل، يكتنفها الكثير من الغموض. غير أن احتمال التوسّع في هذه الحرب يبقى وارداً، خصوصاً في ظل التصعيد المستمر واتساع رقعة المواجهة.
ومع تطور الأوضاع العسكرية واستمرار النزاع لمدة أطول، قد تجد الفصائل، لا سيّما العراقية منها، الفرصة للتحرّك بقوة أكبر نحو استهداف المصالح الأميركية. وإذا ما تحقق ذلك، فإن العراق قد ينزلق إلى مرحلة جديدة من الصراع الإقليمي، تتخطى حدود الحرب بين إيران وإسرائيل، وربما تصل إلى تهديدات خطيرة كإغلاق مضيق هرمز وتعزيز التنسيق العسكري بين الحوثيين في اليمن وطهران.
يُذكر أن الفصائل العراقية سبق لها أن نفّذت هجمات على قواعد أميركية مثل "عين الأسد" و"حرير" و"فيكتوريا"، والتي تمثل أبرز نقاط الوجود الأميركي في العراق، ما يعزز احتمال تكرار هذا السيناريو في حال اتسعت رقعة الحرب.
أما على صعيد الحلفاء الدوليين كروسيا والصين، فمن غير المرجّح أن ينخرطا في نزاع واسع بهذا الحجم، إذ تميل هاتان القوتان إلى تجنّب التورّط في حروب مباشرة، خصوصًا إذا ما تعارض ذلك مع مصالحهما الاقتصادية والاستراتيجية في المنطقة.
الى أين تتجه الأمور؟
لا شك في أن الصراع الجاري بين إيران وإسرائيل قد تجاوز حدود التهديدات الإعلامية والمواجهات الاستخباراتية، ليبلغ مرحلة تصعيد عسكري مباشر تُرسم من خلاله توازنات جديدة في الإقليم.
وفي خضمّ هذا التصعيد غير المسبوق، يبقى أكثر السيناريوهات رعباً هو حدوث تسرب إشعاعي من أحد المفاعلات النووية المستهدفة، سواء داخل إيران أو في محيطها، ما قد يفتح الباب أمام كارثة بيئية وصحية تتجاوز الحدود الجغرافية. وفي حال وصلت هذه الانبعاثات إلى الأجواء اللبنانية، فإن بلدًا يرزح أصلًا تحت أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية متراكمة، لن يكون قادرًا على تحمّل تداعيات كارثة بهذا الحجم. لبنان، الذي لم يكن ينقصه سوى مأساة إضافية، سيكون في مرمى الخطر بفعل موقعه الجغرافي وقربه من مسرح التصعيد.
أما أخطر سيناريو استراتيجي محتمل، فهو دخول الولايات المتحدة رسميًا في الحرب إلى جانب إسرائيل، إذا شعرت بأن ميزان القوى بدأ يميل لمصلحة طهران. مثل هذا التدخل قد يتجاوز الدعم السياسي واللوجستي، ليشمل ضربات مباشرة تستهدف منشآت نووية شديدة التحصين، ما يرفع من احتمالات التسرب الإشعاعي، ويدفع المنطقة نحو منعطف كارثي.
المؤكد أن الشرق الأوسط بعد هذه الحرب لن يشبه ما قبله. إنها حرب "سماء الشرق الأوسط"، حيث لا يُخشى من صواريخ الخصوم فحسب، بل من غيومٍ محمّلة بالإشعاع... قد تكون أشد فتكًا من كل أدوات الحرب التقليدية.
0 تعليق