نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
كيف تساهم السياحة المفرطة في تضخم تكاليف المعيشة؟ - تكنو بلس, اليوم الثلاثاء 3 يونيو 2025 01:18 مساءً
في الوقت الذي يُنظر فيه إلى السياحة كرافعة اقتصادية حيوية تعزز الدخل وتوفر فرص العمل، بدأت آثارها السلبية تتجلى بوضوح في عدد من المدن والوجهات السياحية العالمية التي تعاني من "السياحة المفرطة" أو ما يُعرف بـOvertourism. أحد أبرز هذه الآثار هو تضخم تكاليف المعيشة، حيث أصبحت الحياة اليومية في بعض المدن الساحلية أو التاريخية غير محتملة بالنسبة للسكان المحليين بسبب ارتفاع الأسعار بشكل غير متناسب مع الأجور. هذا التضخم لم يعد مقصورًا على الخدمات السياحية فحسب، بل تسلل إلى قطاعات مثل الإيجارات، أسعار المواد الغذائية، النقل، بل وحتى الخدمات الصحية، مما خلق فجوة متسعة بين ما يحتاجه السكان وما يستطيعون تحمله.
من أبرز مظاهر تضخم تكاليف المعيشة بسبب السياحة المفرطة هو ارتفاع أسعار الإيجارات بشكل حاد في المناطق التي تشهد كثافة سياحية عالية. فعلى سبيل المثال، شهدت مدن مثل برشلونة، أمستردام والبندقية زيادة مطردة في أسعار الإيجارات بسبب تفضيل ملاك العقارات تحويل شققهم إلى وحدات سياحية عبر منصات مثل Airbnb وBooking.com، والتي تدر عوائد أكبر من الإيجار طويل الأمد. هذا التحول في استخدام العقارات أسفر عن تناقص المعروض من المساكن المتاحة للسكان المحليين، ودفع بالعديد من الأسر والعائلات للخروج من مراكز المدن نحو الضواحي أو حتى الهجرة إلى مدن أقل تكلفة.
وقد تضاعف هذا الأثر مع قلة التنظيم الحكومي للقطاع، حيث لا توجد قيود صارمة على تحويل المنازل السكنية إلى شقق فندقية. النتيجة هي ضغط على الطبقات المتوسطة والفقيرة، التي باتت تجد نفسها مضطرة لدفع مبالغ تفوق نصف دخلها الشهري فقط لتأمين السكن، الأمر الذي يؤثر مباشرة على جودة الحياة ويغذي شعورًا متناميًا بالغربة داخل المدن التي نشأوا فيها.
ارتفاع أسعار السلع والخدمات الأساسية
تؤدي السياحة المفرطة أيضًا إلى رفع الأسعار في المحلات التجارية والمطاعم والأسواق بسبب تحول هذه الأماكن إلى ما يشبه "الأسواق السياحية"، التي ترفع أسعارها مستهدفة جيوب الزوار بدلاً من احتياجات السكان المحليين. في مناطق مثل وسط فلورنسا أو حي سانتوريني في اليونان، أصبحت القهوة أو الوجبة اليومية أغلى بنسبة تصل إلى 50% مقارنةً بمناطق غير سياحية. هذا النمط لا يقتصر على المطاعم، بل يشمل محلات البقالة، خدمات النقل، وصيانة السيارات، مما يجعل الكلفة العامة للمعيشة أعلى بشكل غير مبرر.
كما أن دخول الشركات السياحية الكبرى إلى هذه المدن أدى إلى إزاحة المتاجر المحلية الصغيرة لصالح علامات تجارية عالمية قادرة على دفع إيجارات باهظة، مما قلص من فرص التنافس وخفّض إمكانية حصول السكان على سلع بأسعار مناسبة. والأسوأ من ذلك، أن ارتفاع الأسعار لا يقابله دائمًا تحسن في الأجور أو ظروف العمل، خاصة أن قطاع السياحة نفسه يميل إلى تشغيل عمالة موسمية بأجور منخفضة.
تغيّر طبيعة الاقتصاد المحلي واحتكار الموارد
عندما تصبح المدينة معتمدة بشكل شبه كلي على السياحة، يتحول اقتصادها تدريجيًا إلى اقتصاد موسمي يعتمد على تدفق السياح فقط، مما يجعل أسعار الموارد والخدمات مرتبطة بفترات الذروة السياحية. في هذه الحالة، ترتفع أسعار الكهرباء، والمياه، والنقل العام خلال المواسم، وتُفرض ضرائب أو رسوم جديدة بهدف تمويل البنية التحتية المرتبطة بالسياحة، لكنها تؤثر أيضًا على السكان الدائمين الذين لا علاقة لهم بالقطاع.
إضافة إلى ذلك، فإن احتكار الشركات السياحية الكبرى لجزء كبير من الخدمات مثل الفنادق، التنقل، والطعام، يخلق حالة من انعدام التوازن في السوق. حيث يتعذر على المزودين المحليين منافسة هذه الشركات، مما يؤدي إلى انكماش الفرص أمام المشاريع الصغيرة ورفع الأسعار نتيجة تحكم عدد محدود من اللاعبين الكبار في الاقتصاد المحلي.
السياحة المفرطة ليست فقط أزمة بيئية أو اجتماعية، بل هي أيضًا محرّك خفي لتضخم اقتصادي مرهق للسكان. وإذا لم تُراعى ضوابط التخطيط الحضري والعدالة الاقتصادية، فإن المدن السياحية الجميلة ستتحول تدريجيًا إلى أماكن لا يسكنها سوى السياح، بينما يُجبر السكان الأصليون على الهجرة بحثًا عن حياة معيشية أكثر استقرارًا وإنصافًا.
0 تعليق