ميرتس يصدم أوروبا قبل روسيا... أخيراً لحظة ‘تسايتنفنده‘؟ - تكنو بلس

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
ميرتس يصدم أوروبا قبل روسيا... أخيراً لحظة ‘تسايتنفنده‘؟ - تكنو بلس, اليوم الجمعة 30 مايو 2025 08:50 صباحاً

المفاجآت مستمرّة مع المستشار الألماني فريدريتش ميرتس. أو على الأقل، الإعلان عنها. صحيحٌ أن لا معلومات واضحة عن "مذكرة التفاهم" بين ألمانيا وأوكرانيا لتطوير صواريخ بعيدة المدى. هل هي تحجب حقيقة أنّ برلين سترسل صواريخ "تاوروس" إلى كييف إنّما بدون إحداث جلبة حول الموضوع؟ أم أنّها فعلاً محدودة بالدّعم الماليّ وربّما التكنولوجي مع إبقاء نقل الصواريخ البارزة خارج المعادلة؟

 

حتى لو صحّ التفسير الأضيق نطاقاً، وهو المرجّح حالياً، فالقفزة النوعيّة في السياسة الخارجيّة الألمانيّة لا تخطئها عين. في الواقع، تحدّثت "بيلد" الألمانية عن أنّ برلين ستدعم تطوير أوكرانيا لصواريخ جوّالة تعمل عليها كييف، ويصل مداها إلى 2500 كيلومتر. لكن ثمّة حدث أكثر يقيناً لفت الأنظار أيضاً. إعلان ألمانيا الأسبوع الماضي نشر 5 آلاف جندي بشكل دائم في ليتوانيا. كانت هذه الخطوة الأولى من نوعها لألمانيا منذ الحرب العالمية الثانية.

 

"هذا يومٌ تاريخي"

هو تعبير الرئيس الليتواني غيتاناس ناوسيدا. كان لدى ألمانيا نحو 250 جندي خلال الخريف الماضي في البلاد، ومن المتوقّع أن يصبح لواء الدبابات الـ 45 بكامل جاهزيته وعديده بحلول 2027. قال ميرتس في 22 أيار/مايو خلال زيارته العاصمة الليتوانيّة: "حماية فيلنيوس من حماية برلين". هكذا أنهى ميرتس، إلى حد كبير، الحاجز النفسيّ بين أوروبا الغربيّة وأوروبا الشرقيّة على مستوى النظرة إلى التهديد الروسيّ. ليس هذا وحسب. أنهى ميرتس أيضاً سياسة المستشارة السابقة أنجيلا ميركل التي بذلت كامل جهدها لتحسين العلاقات التجاريّة مع روسيا، بالرغم من اعتراضات أوكرانيا ومعها الجناح الشرقي للناتو.

 

بالرّغم من أنّ ميرتس وميركل ينتميان إلى الحزب نفسه، "الحزب الديموقراطيّ المسيحيّ"، طبعت علاقتهما توترات عدة. لم تكن الخلافات السياسية العامة، مثل الهجرة، موضع التباين وحسب. في مطلع الألفية الحالية، أقالته ميركل من رئاسة نواب الحزب في البوندستاغ بعد الخسارة الانتخابية سنة 2002. ولم يعد إلى الساحة السياسية إلا بعد نهاية حقبة المستشارة السابقة. يبدو أنّ ميرتس يحقّق انتقامه الخاص على مستويات عدّة.

 

ميرتس وميركل، 2001 (أ ب)

 

النقطة الثانية الجريئة في إعلان ميرتس هي أنّ ليتوانيا تحاذي مقاطعة كالينينغراد الروسيّة وممر سوالكي الذي يربط المقاطعة ببيلاروسيا، الحليفة التاريخية لروسيا. يعدّ هذا الممرّ من أكثر النقاط القابلة للاشتعال بين الناتو وروسيا. بالتالي، تقول ألمانيا إنّها جادّة في تحمّل جزء من مسؤوليّة الدفاع عن الجناح الشرقيّ للحلف. وكانت كالينينغراد، كونيغسبرغ سابقاً، عاصمة للدولة البروسيّة. ضمّها الاتحاد السوفياتي بعد الحرب العالمية الثانية وهاجر الألمان منها في تلك الحقبة بشكل كبير. لا يعني هذا أنّ برلين تسعى إلى إعادة ترسيم الخرائط والمطالبة بمدينتها القديمة، لكن من غير المرّجح أن تتجاهل عيونُ بعض المؤرّخين هذه الرمزيّة.

 

"نوع مختلف من الألمان"

بالتأكيد، لن يكون 5 آلاف جندي قادرين بمفردهم على وقف تقدّم القوّات الروسيّة، لكنّ المؤكّد أيضاً أنّ وجودهم سيكون أكثر من معنوي. فقد يخدم انتشارهم أيضاً كـ "سلك تعثّر"، وهو الترجمة الحرفية لمصطلح (tripwire force) الذي يفيد بإطلاق ردّ على مستوى أوروبي أوسع في حال اصطدمت روسيا بتلك القوات. إذاً، تتحمّس ألمانيا للدفاع عن أمن أوروبا وتحمّس معها سائر الشركاء.

 

الافتتاح الرسمي لانتشار اللواء الألماني في ليتوانيا (أ ب

الافتتاح الرسمي لانتشار اللواء الألماني في ليتوانيا (أ ب

 

ثمة ترتيب أوراق جارٍ في أوروبا مع انسحاب أميركا التدريجي من القارة. يبدو أنّ من يملك المال أكثر يقوم بملء الفراغ. صدرت دراسة تشير إلى أنّ أوروبا ستحتاج إلى تريليون دولار للتعويض عن الغياب العسكريّ الأميركي. ألمانيا جاهزة للمساهمة الماليّة، لكن أيضاً العسكريّة. إذاً ليس من يملك المال فقط، بل الجرأة أيضاً. ميرتس يصدم بعض الأوروبيين المرتابين قليلاً من تاريخ ألمانيا، قبل أن يصدم الروس. ألم تحتلّ ألمانيا ليتوانيا نفسها في الحرب العالميّة الثانية؟ إدموند كوليكوسكاس، 87 عاماً، هرب من ليتوانيا قبيل الاجتياح حين كان في السادسة من عمره. لكنّه عاد إلى بلاده سنة 1994. عندما سألته "نيويورك تايمز" مؤخراً عن خشيته المحتملة من وجود الألمان على أراضيه، أجاب: "هذا نوع مختلف من الألمان".

 

لكنّ الألمان اليوم لا يختلفون عمّا كانوا عليه قبل 80 عاماً فقط، بل حتى عمّا كانوا عليه قبل 8 أعوام. لقد أصبحوا، على مستوى النخبة الحاكمة بالحدّ الأدنى، أكثر تفهّماً لهواجس أوروبا الشرقية، وكذلك، أكثر مراعاة لتلك الهواجس في تحرّكاتهم. وميرتس ينقل وتيرة التحرّك الألمانيّ إلى مستوى مختلف.

 

بشكل كبير، كانت "تسايتنفنده"، أو "نقطة التحول" الألمانيّة، كلاماً لشولتس. مع ميرتس، ينقلب الكلام فعلاً.

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق