حركات "الإسلام السياسي" وتحديات المستقبل أمام الشباب العربي - تكنو بلس

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
حركات "الإسلام السياسي" وتحديات المستقبل أمام الشباب العربي - تكنو بلس, اليوم الخميس 8 مايو 2025 02:04 صباحاً

الإسلام دينٌ حنيف أرسل للبشرية للهداية والخلاص، ولبعث نور الحق والحقيقة أمام الناس، والرسول الكريم أغنى العالم بكتابه وبحديثه الشريف، وأشار إلى الطريق المُستقيم أمام المؤمنين، مُثنياً الضالين. ومع تقادُم الزمن تمَّ استغلال الدين الحنيف من قبل البعض لتحقيق غاياتٍ سياسية خاصة، أو لتوفير منافع فئوية وجهوية، أو للتحكُّم بعباد الله، على غير جوهر مقاصد الرسالة الشريفة. مع العلم أن "صحيفة المدينة" التي أشرف على إصدارها الرسول(ص) كانت أول دستور مدني مكتوب في التاريخ، وهي حفظت حقوق الناس المدنية، بصرف النظر عن أهوائهم وانتماءاتهم، وأقرَّت أهمية التعاون بين الجميع من أجل الصالح العام.

 

تبلورت صورة غالبية حركات قوى "الإسلام السياسي" على الشاكلة المعروفة اليوم، في صيغةٍ تختلف من حيث الشكل ومن حيث المضمون مع الرؤى التي دعا إليها الإسلام كونه مصدراً من أهم مصادر التشريع، ولأنه مرجع لتحقيق الغايات النزيهة ولتعميم مبدأ المساواة بين الناس، وعدم التفرقة بينهم على أساس الجنس أو اللون أو العرق أو الجنسية.

 

والمقصود بالإسلام السياسي الذي نتناوله في مقاربتنا هذه، هو النُظم أو الحركات والمجموعات التي تعمل في المجال العام، وتقول إنها تستند إلى أحكام الشريعة. وعدد من هؤلاء لا يقيمون وزناً للخصائص القومية، ومنها العربية، ويعتبرون الاندفاع نحو هذا الاتجاه، أحد وسائل التفرقة، بينما جاء في كتاب الله الذي أنزل بالعربية: إننا خلقناكم أُمماً وقبائل لتتعارفوا، وتتعاونوا على البرِّ والإحسان. ومن هنا يمكن ملاحظة كون بعض حركات الإسلام السياسي بالغت في إغفال العروبة، ولا يكفي تبرير إغفالها بالقول: إن التيارات القومية جنحت نحو الأوتوقراطية، واستثمرت بالأمن أكثر مما كان ينبغي. 

 

والقوى الاستعمارية والإمبريالية سابقاً، والدول الكبرى المُهيمنة اليوم، استغلت "الإسلام السياسي" بمفهومه المعاصر للتدخُّل في شؤون الشعوب والدول، ولِبث الشِقاق بين أفراد الأمة، ولمحاربة المسار الذي يعتمد على القاعدة الوطنية والقومية للحفاظ على مكتسبات الشعوب وحقوقها، ولاسيما في المساحة العربية، ذلك أن التحديات التي فُرضت على المنطقة العربية أخذت طابعاً قومياً. وهدف التدخلات الاستعمارية والامبريالية والصهيونية منذ ما بعد الحرب العالمية الأولى، كان عدم تمكين العرب من بناء قدرة موحدة تستعيد فيها المكانة التاريخية لهم بعد انكفاء الإمبراطورية العثمانية. وأبرز هذه الأهداف كان إنشاء كيان غاصب على أرض فلسطين، يقطِّع أوصال الأمة، ويفصل مغربها عن مشرقها، ويجعلون منه قاعدة عسكرية متطورة لتخويف دول وشعوب المنطقة ونهب ثرواتها.

 

وفي واقع الحال فقد تنامت تيارات من "الإسلام السياسي" بتشجيع من بعض الدول الاستعمارية. والفرق كبير بين مقاصد هذه التيارات وبين مقاصد الإسلام الحنيف. ولجأت هذه القوى إلى تعميم ثقافة التعارض من أجل المنع، أي إصدار تفسيرات غريبة عجيبة لبعض الظواهر السياسية على اعتبار أنها تخالف تعاليم الإسلام، والهدف الأساسي من هذه الرؤى إنشاء جدران سميكة تفصل بعض الواقع العربي عن مسارات التطور والعلوم الحديثة، واعتبار بعضها يُخالف التعاليم الإسلامية، بينما الرسول الكريم أوصى بمواكبة العلم والتطور كظواهر طبيعية آدمية خلقها الله بالأساس، وتطورت لاحقاً لخدمة الإنسانية، قائلاً: " أُطلبوا العلم ولو في الصين".

 

ومن أبرز العوائق التي وضعتها الحركات الإسلامية أمام الشعوب، اعتبار النُظم المدنية، أو العلمانية، كأنها مخالفة لتعاليم الإسلام الحنيف، بينما صحيفة "المدينة المنورة" التي كُتبت قبل 14 قرناً، كانت مدنية وديموقراطية ومتنوعة في مضمونها ومندرجاتها، ولم تعتبر التنوُّع مخالفاً للإسلام، بل غنىً له. وأشارت إلى احترام رأي الآخرين من غير المسلمين، وفقاً لمقولة "مَن لم يكُن أخاً لكم في الدين، فهو أخٌ في الإنسانية".

 

الشباب العربي اليوم أمام تحديات وازنة، ويعيش في تناقض كبير، ساهمت في صنعه آلة التشويش التي استفادت من التطور التقني. فبينما المستقبل لا يبنى إلا وفقاً لظروف العصر ومستوجباته الحديثة؛ يعمل بعض "الإسلام السياسي" على تصوير الأمر كأنه مخالفة للدين الحنيف، والمهاجرون من الشباب العرب الذين يقطنون في دول علمانية خالصة، يتكيفون مع واقع هذه الدول من دون التخلي عن جوهر دينهم، وعلى العكس من ذلك فغالبية من هؤلاء لهم مكانتهم في دول ليست من أكثرية إسلامية، ويمارسون دورهم السياسي والمدني والعلمي، من دون أية عوائق.

 

العلم لا يتعارض مع الإسلام كما تروج بعض الحركات التي تنسُب نفسها للإسلام، والإسلام يحترم العلم والتطور، ولاسيما في المجالات التي تتناول النُظم والقوانين والأفكار الإدارية والأدبية. ومبدأ الشورى فتح المجال أمام الاجتهادات النافعة على إطلاقها، ولم يتبن قوالب جامدة، وفرضها على كل العصور. ولا يمكن اعتبار الطموحات الشبابية العربية كونها تتعارض مع تعاليم الدين على الاطلاق، فالإسلام مصدر مُهم للتشريعات العصرية، وليس تشريعاً وضعياً جامداً.

 

لا بد من الإشارة الى أن غالبية من الشباب العربي يهربون من واقعهم المُقيِّد الضيق إلى فضاء أوسع، بسبب ما يشعرون به من اختناق يُعيق حراكهم في مجالات مختلفة. وتجارب حكم "الإسلام السياسي" كانت أحد أهم أسباب الضائقة الاقتصادية التي يعاني منها الشباب، لأنها لم تجد حلولاً ناجعة لمتطلبات الشباب في توفير وسائل التحصيل العلمي وفي تأمين فرص العمل، وأخفقت في بناء منظومة تحمي الحريات العامة على إطلاقها، من دون مُحددات عادةً ما تكون من صنع الحاكم، وليست من جذور الإسلام.
وغالبية من الأنظمة الوطنية العربية فشلت هي أيضاً في إيجاد حلول لمتطلبات الشباب، ولجأت إلى اعتماد قوانين وتطبيقات فيها تقييد للحريات، أو أنها تفرض الولاء السياسي للحصول على الحرية وتكافؤ الفرص، بما يتطابق مع النموذج الذي اعتمدته الأنظمة الشيوعية في النصف الثاني من القرن الماضي.

 

أما الشعور القومي كدافع للانتماء وللمساهمة في مشتركات الأمة، فقد هشَّمته بعض الأنظمة التي تدَّعي أنها تحكم باسم الإسلام، وبدت مجموعات كبيرة من الشباب العربي في حيرة ثقافية وميثولوجية مُربِكة، تفتش عن الصحيح بين الرؤى المطروحة، ويخال لبعضهم أن الالتزام الحزبي أو الفكري أو الثقافي يتعارض مع الدين الحنيف، بينما يشكِّل هذا الالتزام على تنوعه غنى للحياة العامة وللإسلام في آن، كونه يفرض مشاركة حيوية للشباب في بناء المستقبل وفق الرؤى التي تتماشى مع مصالحهم وطموحاتهم.

 

تحديات كبيرة تواجه الشباب العربي، وأمام هؤلاء مهام كبيرة، والمسؤولية القومية والوطنية والإنسانية تفرض عليهم المساهمة في بناء مستقبل أفضل، بعيداً من القوالب الجامدة التي تضعهم فيها بعض الأنظمة أو بعض الحركات التي تدَّعي الحفاظ على الإسلام، بينما هدفها إبقاء سيطرتها على الفضاء السياسي، وعلى مؤسسات الحكم، برغم نجاح بعض التجارب في دول عربية تحترم الإسلام في كل تفاصيل حياتها، ولكنها خرجت من اعتباره فزاعة تُقيد بواسطتها أنماط الحياة الشخصية، كما تخلَّت عن نمطية "المطاوعين" الذين شكلوا عيباً في مرحلة معينة، من جراء ممارسات بعضهم غير اللائقة. 

 

مساهمة الشباب في إنشاد تطوير أنظمة الحكم، ليست تهمة على الإطلاق، بل واجب وطني وقومي، ولهؤلاء حقوق لا بد من النضال للحصول عليها، كما عليهم واجبات في تحمُّل جزء من مسؤولية تطوير الحياة العامة في بلدانهم، كما في تطوير سُبل وموارد عيش حياتهم الخاصة، دون أن يكون ذلك منَّةً من أحد. وقد سبق لمفكرين ذوي مستوى رفيع أن أطلقوا مساراً حديثاً للتنوير الإسلامي، أو لإظهار الإسلام على حقيقته المُشعَّة، ومنهم طه حسين ومحمد عبده والأفغاني على سبيل المثال لا الحصر.

 

وفي سياق الحديث عن "الإسلام السياسي" لا نعني التوجه إلى مقاربات مُحددة كانت تُشير إلى حركات الإخوان المسلمين على الإطلاق، فهؤلاء جزء من الحالة العامة، ولكن إخفاق تجربتهم في تونس وفي مصر بعد العام 2011 سلَّط الضوء على دورهم أكثر من غيرهم. بالمقابل هناك "إسلام سياسي" من نوعٍ آخر اعتُمِد في إيران على سبيل المثال، وهو لم ينجح في توحيد جهود "الأمة الإسلامية" كما أنشد منذ ما يزيد عن45 عاماً، بل على العكس من ذلك ساهم في تفرقة عناصر هذه الأمة، وكان في محطات متعددة سبباً رئيسياً لتدخلات خارجية مقيتة في شؤون المسلمين والعرب.

 

كذلك فقد مثل عدد من الأشخاص المتدينين في فرق إسلامية متعددة أدواراً غريبة لخدمة أجندات خارجية، وهؤلاء كانوا يزايدون على الأصفياء من أهل الدين، ويُشيطنون الخُلاصاء منهم، للتعمية على الحقائق، بما يساعد على ترسيخ "ثقافة التفاهة" وهو منهجية ميكيافيلية مُعاصرة تحدث عنها كثيرون من المفكرين والكتاب. 

 

أما الجنوح الرهيب الذي قادته مجموعات مُنحرفة باسم الإسلام، والذي غلبت عليه سمة الإرهاب – مثل داعش وأخواتها – فقد كان وبالاً على الأمة، وشوَّه صورة الإسلام الناصعة، وحقق نتائج للأعداء الذين يتربصون شراً بالعرب وبالمسلمين، ومثلوا مع غيرهم من المتطرفين دور الأدوات التي تديرها أوكار استخباراتية خارجية للضرر بمصلحة العرب. وكان لأعمالهم المُشينة تأثير سلبياً على سمعة الشباب العرب الذين أبدعوا في مجالات متعددة في الداخل وفي الخارج.     

 

-المقاربة الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة  رأي مجموعة "النهار" الإعلامية.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق