تماسك المجتمع.. عصب الأمن القومي في الصراعات الإقليمية - تكنو بلس

صوت الامة 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
تماسك المجتمع.. عصب الأمن القومي في الصراعات الإقليمية - تكنو بلس, اليوم الأربعاء 18 يونيو 2025 01:15 مساءً

خطورة الأوضاع الآنية وسط العواصف الجيوسياسية التي تهز الشرق الأوسط، وتحديداً مع تصاعد حدة الصراع الإيراني-الإسرائيلي، تبرز تماسك الجبهة الداخلية (المجتمع) كحلقة مصيرية في معادلة الأمن القومي. فهو إما أن يكون الحلقة الأضعف التي تستهدفها أطراف الصراع، أو الحصن المنيع الذي يحمي كيان الأمة.

 

كشفت الاختراقات المتكررة لما عُرف بـ"محور المقاومة"، من حزب الله إلى إيران نفسها، حقيقة جوهرية: قوة الأمة لا تُختزل في جيوشها وأسلحتها فحسب، بل في قدرة نسيجها الاجتماعي على الصمود والتماسك أمام محاولات التفكيك والتآكل المستهدفة. وهنا، يتحول التماسك المجتمعي وتوحيد الصف الداخلي من مجرد فضيلة أخلاقية إلى استراتيجية أمن قومي بالغة الخطورة، و"حائط صد" حيوي ضد المخاطر الخارجية ومحاولات الاختراق والتجنيد.

 

يتخطى الأمر شعارات الوطنية والمثالية. فقد أدرك علماء كبار مثل إميل دوركهايم (عالم الاجتماع الفرنسي) وروبرت بوتنام (عالم السياسة الأمريكي) أن شبكات العلاقات الاجتماعية، والمعايير المشتركة، والثقة المتبادلة – التي تتيح المشاركة والتعاون – تخلق مجتمعاً يتمتع بقدرة أعلى على التنسيق الذاتي، ومقاومة الشائعات، ورفض الاختراق. تعمل هذه الشبكات كأنظمة إنذار مبكر وأدوات تضامن فعالة.

 

وتؤكد أدبيات مكافحة التجسس والأمن القومي هذه العلاقة العضوية بوضوح: التفكك الداخلي يزيد القابلية للاختراق. كما يوضح غريغوري تريفيرتون (رئيس مجلس الاستخبارات الوطني الأمريكي سابقاً)، تستغل أجهزة الاستخبارات المعادية أي شرخ مجتمعي لزرع بذور الكراهية، ونشر الشائعات المسمومة، وتغذية الإحساس بالمظلومية بين الفئات. مما يخلق بيئة من الغضب وعدم الثقة، تصبح تربة خصبة لتجنيد المستائين أو المحبطين.

 

عندما يفتقر المجتمع للثقة ويغتذي على الشائعات، يُصبح عاجزاً عن تمييز الحقيقة، وسهل الانقياد للأجندات الخارجية الهدامة. وهذا ما تكشفه أعمال مثل "السلطة الخفية" لجون بيركنز، أو تحليلات مؤسسة RAND حول حروب المعلومات.

 

فكيف نحصن المجتمعات ضد هذه الاختراقات المهددة للأمن القومي؟

 

العدالة أساساً راسخاً: يستحيل بناء تماسك حقيقي فوق فروق طبقية فاحشة أو تمييز منهجي. تحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية وتكافؤ الفرص ليس خياراً، بل حجر الزاوية.

 

تعزيز الهوية الوطنية الجامعة: بناء هوية وطنية جامعة تتسع للتنوع وتحتضنه، قائمة على قيم ومصالح مشتركة، وتعلو فوق الهويات الفرعية الضيقة.

 

الحوار الوطني المستدام: إتاحة قنوات حوار دائمة ومفتوحة بين كافة فئات المجتمع ومؤسسات الدولة، لمعالجة المخاوف والإجابة على التساؤلات، خاصة في أوقات الأزمات.

 

تمكين المجتمع المدني: دعم مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية والقيادات المحلية العاملة على تعزيز التلاحم الاجتماعي، وحل النزاعات، وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي، لا سيما في المناطق الهشة.

 

ترسيخ ثقافة الوعي الأمني: تعميم برامج توعوية مبسطة تشرح للمواطن أساليب الحرب الهجينة (التضليل الإعلامي، حروب الشائعات، محاولات التجنيد)، وتشجعه على أن يكون "عيناً ساهرة" وطرفاً فاعلاً في حماية أمن مجتمعه.

 

ختاماً، المجتمع القائم على العدل، المتحد بروابط الثقة والهوية الجامعة، المنخرط في حوار بناء، والمدرك لتحدياته، هو مجتمع عصي على الكسر والاختراق. بناء هذا التماسك ليس ترفاً فكرياً، بل استثمارا حيويا في صميم الأمن القومي، وصمام الأمان الأول ضد أعداء يتربصون بأي شرخ لاقتحام الحصن من الداخل. وكما أدرك ابن خلدون مبكراً في مقدمته الشهيرة، تظل "العصبية" (التماسك الاجتماعي) هي الضامن الأساسي لبناء الدول وصيانتها وبقائها وازدهارها وسط أعتى العواصف.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق