ما هو ثمن قتل العاملين في المجال الإنساني؟ - تكنو بلس

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
ما هو ثمن قتل العاملين في المجال الإنساني؟ - تكنو بلس, اليوم الاثنين 2 يونيو 2025 07:08 مساءً

بقلم كريستوفر لوكيير، الأمين العام لمنظمة أطباء بلا حدود

في يوم السبت، الثالث من مايو/أيار، استفقنا في "أطباء بلا حدود" على وقع الصدمة والحزن والغضب بعدما وردنا خبر عن استهداف مستشفانا في أولد فانغاك بجنوب السودان، إذ أطلقت مروحية حربية النار على صيدلية "أطباء بلا حدود"، تلاها إطلاق قذائف ومن ثمّ غارات بطائرات مسيَّرة على سوق البلدة. وقد سارع المرضى والعاملون بالفرار من المستشفى فيما كانت الشظايا تخترق جدرانه. كان المشهد مرعباً وشكّل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني.

 

اجتاحتنا هذه المشاعر من جديد مع ورود أنباء عن هجومين جماعيين مروّعين أسفرا عن مقتل عاملين في المجال الطبي في الأسابيع الأخيرة.

 

وفي 23 مارس/آذار، قتل الجيش الإسرائيلي 15 شخصاً في غزة، بينهم ثمانية عاملين في جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني عُثر على جثامينهم ومركباتهم المدمّرة في مقبرة جماعية بعد ثمانية أيام. وقد أظهرت مقاطع فيديو استهداف هذا الهجوم المتعمَّد لطاقم طبي وسيارات إسعاف يمكن التعرف إليها بوضوح. هذا ولم يكن يُسمح بدخول أي مساعدات إلى قطاع غزة طوال الشهر الذي سبق الهجوم، في حصار تام ما زال مستمراً حتى اليوم.

 

وفي 11 أبريل/نيسان، في مخيم زمزم للنازحين بولاية شمال دارفور في السودان، قُتل تسعة عاملين طبيين من منظمة الإغاثة الدولية بلا رحمة بعدما دخل جنود من قوات الدعم السريع إلى العيادة، وهي الأخيرة التي كانت مستمرة في العمل، خلال هجومهم على المخيم.

 

وما هذه الحوادث إلا الأمثلة الأخيرة عن استهداف عاملين في المجال الطبي والإنساني حول العالم والتي انطوت على وقع صادم خاصة. فقد شهدنا أيضاً مثل هذه الهجمات المروّعة في أوكرانيا وهايتي وجمهورية الكونغو الديموقراطية وفي غيرها من المناطق. وسواء استهدفت هذه الهجمات فريقنا ومستشفياتنا في "أطباء بلا حدود"، أو طواقم ومرافق تابعة لمنظمات أخرى، فإننا، كعاملين إنسانيين، نشعر جميعاً بالاستهداف. ونشاطر الحزن مع كل الزملاء في المجالين الطبي والإنساني الذين يعملون إلى جانبنا، منطلقين من الدافع نفسه لتقديم الرعاية للمرضى والمصابين عاجلاً.
اقترنت الاعتداءات الأخيرة على العاملين في المجالين الصحي والإنساني بمستوى استثنائي من الخطر، ليس فقط بسبب وحشيتها وتداعياتها، بل أيضاً بسبب اللامبالاة العميقة التي قوبلت بها. فإذا ما استثنينا بعض البيانات من الأمم المتحدة والدعوات الفردية التي أطلقتها بعض الدول كطلب المملكة المتحدة إجراء تحقيقات في الهجمات على غزة أو ردّ فرنسا بعد قصف مستشفى أولد فانغاك – فإنّنا لم نلمس أي حالة من السخط العالمي المشترك في هذا السياق. لا أصداء لزخم سياسي قوي، كما لم نسمع عن إجراءات ملموسة لمحاسبة الجناة. أما الإدانات اللفظية، فتبقى كلاماً فارغاً ما لم تُترجم إلى نتائج حقيقية.

 

يكاد يبدو طرح هذا السؤال عديم الجدوى، ولكن ما الذي يمنع من تكرار مثل هذا الهجوم... حتى غداً؟

 

ينبغي أن تُواجَه جميع هذه الهجمات بإدانة قوية لا لبس فيها. علينا أن نتوقع فورةً في المشاعر وتحركات عاجلة وردود فعل حازمة. يجب أن تُطلَق التحقيقات المستقلة لتحديد المسؤولين تلقائياً وأن تُطبّق القوانين والاتفاقيات الدولية القائمة، فلا ينبغي أن يكون إنفاذها موضعاً للتفاوض أو المساومة. لا بد من تحقيق العدالة لعائلات الضحايا وزملائهم، كما تجب ممارسة ضغطٍ ملموسٍ على الجهات السياسية التي تتسامح مع هذه الهجمات أو تُمكّن شنّها أو حتى تشجع عليها بشكل نشط.

 

وفي غياب أي رد دولي مجدٍ، يبدو لنا أن هذه الهجمات باتت تُرتكب مع تلاشي متزايد في التبعات التي قد تطال الجناة. فما الثمن السياسي أو القانوني أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الأخلاقي الذي يدفعونه؟ وأي دولة أو هيئة أو مؤسسة تُبدي استعداداً والتزاماً فعلياً بمساءلتهم؟ لا يعقل أن يكون قتل الفرق الإنسانية والطبية، أي الكوادر التي تخاطر بحياتها لتقديم الرعاية، من دون عواقب تُذكر أو مع ردود خجولة خياراً مطروحاً في الأصل. فالأمر لا يتعلق فقط بحماية قدرتنا على أداء مهامنا، بل هو دفاع عن قيم جوهرية مثل التضامن والتعاطف.

 

دعونا نضع النقاط على الحروف: الهجمات على الطواقم الصحية وعمّال الإغاثة ليست جديدة. ونحن لا نعبّر عن اشتياقنا لعصرٍ ذهبيٍ متخيَّل كانت سلامتنا فيه مضمونة وأعمالنا تُحترم في جميع أنحاء العالم. على العكس تماماً، لطالما نددت منظّمة "أطباء بلا حدود" بمثل هذه الهجمات وطالبت بالتغيير. ففي عام 2016، وبعد موجة من الاعتداءات على فرقنا – من بينها القصف الأميركي على مستشفى قندوز في أفغانستان – وفي ظل الحملات الممنهجة ضد المستشفيات في سوريا واليمن، دعمنا اعتماد قرار مجلس الأمن الرقم 2286 الذي يهدف إلى حماية الجرحى والمرضى والعاملين الطبيين والإنسانيين في النزاعات المسلحة. لكن منذ ذلك الحين، رأينا كيف بقي تأثير هذا القرار محدوداً إلى حدٍ كارثي.

 

لسنا وحدنا في هذه المعركة. فما زالت الحملة التي تقودها اللجنة الدولية للصليب الأحمر "الرعاية الصحية في خطر" مستمرةً حتى الآن. وفي عام 2024، اعتمد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة القرار الرقم 2730 بمبادرة من سويسرا والذي يدعو جميع الدول إلى احترام العاملين في المجال الإنساني وحمايتهم. وفي العام نفسه، أصدرت مجموعة عمل مشتركة بين الوزارات في أستراليا والبرازيل وكولومبيا وإندونيسيا واليابان والأردن وسيراليون وسويسرا والمملكة المتحدة بياناً مشتركاًالتزمت فيه بوضع إعلان جديد لحماية العاملين في المجال الإنساني. ومع ذلك، باءت هذه الجهود الجماعية بالفشل حتى الآن، إذ لم نلمس الشفافية والمساءلة والتغيير الذي يفترض أن يكون متوقّعاً في هذه الحالات. بل إنّ الحصول على مجرد اعتراف من الجناة يعدّ أمراً نادراً.

 

غالباً ما تكون الوفيات والإصابات في صفوف العاملين في المجال الطبي والإنساني جزءاً من نمط أوسع لعنف عشوائي يحمل وقعاً صادماً ولا يمكن احتماله – بل ويكون متعمَّداً أحياناً – ضد المجتمعات التي يخدمونها. ففي غزة، قُتل أكثر من 52,000 شخص منذ السابع أكتوبر/تشرين الأول 2023 بحسب السلطات المحلية. أما في السودان، فالحصول على تقدير واقعي لعدد القتلى المدنيين لا يزال مستحيلاً، إلا أن الدراسات تشير إلى عدد يقترب من مئات آلاف القتلى.

 

واليوم، وفي ظل الاعتداءات غير المسبوقة على المنظمات المتعددة الأطراف والأمم المتحدة والمؤسسات القانونية – كما يتجلى في تزايد عدد الدول التي تعارض المحكمة الجنائية الدولية – لم نعد نواجه غياباً للضغط السياسي أو للعدالة فقط، بل نشهد تفكيكاً متعمداً لقنوات المساءلة والتغيير نفسها. نناشد كل من لا يزال يؤمن بالإنسانية والتضامن أن يدين هذه الهجمات بأشد العبارات. نحن بحاجة إليهم – أينما كانوا – لكي يتّحدوا ويجتمعوا لإطلاق دعوات جديدة لتحقيق المساءلة القانونية والسياسية. ويجب على المواطنين أن يطالبوا الدول التي تزعم التزامها بالاتفاقيات والمعاهدات الدولية باتخاذ خطوات سياسية ملموسة وممارسة الضغط السياسي لوقف تطبيع الهجمات على العاملين في المجال الصحي والإنساني أو التّستّر عليها في غزة والسودان وجنوب السودان وفي جميع أنحاء العالم.

 

نحتاج من أطراف النزاع، وكذلك من الدول التي تدعمهم سياسياً أو اقتصادياً أو عسكرياً، أن تدرك الآن، وأكثر من أي وقت مضى، أن استهداف العاملين الإنسانيين وقتلهم هو هجوم مباشر على القيم التي يتبنّونها.

 

يجب ألا يمر قتل العاملين الإنسانيين بتكلفة خجولة، بل ينبغي أن يكون ثمنه رادعاً لا يمكن تحمّله.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق