"أوراق الغربة" يستدعي تداعيات الحرب الأهلية... مودي حكيم يستعيد ذكريات عمله في لبنان - تكنو بلس

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
"أوراق الغربة" يستدعي تداعيات الحرب الأهلية... مودي حكيم يستعيد ذكريات عمله في لبنان - تكنو بلس, اليوم الأحد 1 يونيو 2025 07:58 مساءً

 بدأ مودي حكيم رحلته مع العمل الصحافي قبل نحو 60 عاماً، وفي كتابه "أوراق الغربة" (الدار المصرية اللبنانية – القاهرة / 2025) يستعيد تجربة عمله في بيروت من 1967 إلى 1976، ويركز فيه على ما عايشه هناك من أحداث دامية بدأت باشتعال حرب أهلية أجبرته على مغادرة البلد الذي يصفه بأنه "مطبعة العرب".

مودي حكيم، عضو نقابتي الصحافيين في مصر وبريطانيا، والكلية الملكية للفنون البريطانية، ونقابة التشكيليين المصرية، ورابطة المراسلين الأجانب الدوليين. بدأ رحلته مع الصحافة في مؤسسة "روز اليوسف" في القاهرة. رأس تحرير مجلة "ستالايت"، أول مطبوعة "فضائية" في العالم، وأسس الطبعة الدولية لجريدة "السياسة" الكويتية في المغرب، وحالياً يرأس مجلس إدارة شركة "مودي برودكشن" ناشرة مجلة "24 Hours".    

يتناول الكتاب رحلة مخرج صحافي مصري إلى لبنان للمشاركة في تأسيس فرع للهيئة المصرية العامة للكتاب في بيروت، ورغم تحذيرات أصدقائه والمقربين له من وحشة الغربة، وجد أن الغربة وفَّرت له فرص تطوير أسلوبه في الإخراج الصحافي، وفتحت له سُبُل الكتابة في مجلة «صباح الخير» القاهرية من بعيد، ثم خدمة مؤسسة "روز اليوسف" بتأمين الأحبار ومواد الطباعة الأخرى التي لم تكن متوافرة في في مصر وقتها، بينما كانت تملأ الأسواق في بيروت. يقول: "لقد تعاملت مع الغُربة على أنها كشف واكتشاف، وتعلَّمت منها اختبار الذات والتأمُّل والاحتمال". وبحسب ناشر الكتاب فإنه بغض النظر عن أسباب الرحلة، أو تفاصيل الغُربة، فقد حمل مودي حكيم معه إرثاً حضاريّاً عريقاً، مزجه بلغةٍ رصينة؛ ليروي برهافةٍ حكاية غُربته في لبنان، الذي أحبَّه حُبَّه لمصر، ولم يخرج منه إلا مُكرهاً بعد أن اخترق صاروخ الاحتراب الأهلي جدار مسكنه، وهدَّد حياة أغلى ما يملك في الدنيا: ابنه وابنته وزوجته.

 

غلاف “أوراق الغربة“ لمودي حكيم. (الدار المصرية اللبنانية)

 

تذكارات الغربة
يهدي مودي حكيم كتابه السيري هذا إلى زوجته "التي تحملت طموحاتي"، وإلى إبنيه شريف وشيري "من أجلهما كانت غربتي"، وإلى لبنان "الذي عشقت، لعل هذه الأوراق تفيه حقه عليَّ". يقول في تقديمه للكتاب: "هذه أوراق من تذكارات الغربة، وهي من لحم ودم؛ لأنها تجربة حياة في بلد تآلفت معه فقبلني واحتضنني، وعندما غادرته مضطراً تركت قلبي عنده".

كانت البداية في القاهرة عندما عرَّفه الصحافي الراحل مفيد فوزي على الناشر إسلام شلبي، خريج الجامعة الأميركية في بيروت، وصاحب فكرة معرض القاهرة الدولي للكتاب، والذي نجح بجهده وعلاقاته الشخصية في جذب أكثر من 40 دار نشر للمشاركة في دورته الأولى التي أقيمت في مستهل العام 1969. كان شلبي الذي كُلّف رسمياً تأسيس فرع للهيئة المصرية العامة للكتاب في بيروت، يعمل وقتذاك في تسويق الكتب والموسوعات مع الناشر اللبناني بول خياط. وكان مودي حكيم يعمل مخرجاً ومصمماً فنياً في مجلة "روز اليوسف"، ومصمماً لأغلفة الكتب لدى عدد من دور النشر. عرض عليه شلبي تولي الإدارة الفنية لفرع هيئة الكتاب المصرية في بيروت. وافق مودي على العرض، وبدأ ممارسة عمله الجديد من مبنى "سيتي سنتر" في قلب بيروت، وكان يضم مقار عدد كبير من دور النشر.

 

صورة ملوّنة لساحة الدباس في بيروت خلال الستينات. (أرشيفية)

صورة ملوّنة لساحة الدباس في بيروت خلال الستينات. (أرشيفية)

 

مطبعة العرب
في ذلك الوقت كانت نقابة اتحاد الناشرين اللبنانيين تضم 650 دار نشر. ووفق دراسة أعدها الدكتور يوسف أسعد داغر عن الفترة من 1958 إلى 1974، كان عدد الجرائد والمجلات والدوريات التي تصدر في بيروت 2032 مطبوعة، فيما كان تعداد سكان لبنان لا يزيد على أربعة ملايين نسمة. وكان لبنان في تلك الحقبة يشهد ذروة مجد فيروز والأخوين الرحباني، وانتعاش المسرح الغنائي، وتأسيس فرق مسرحية تعكس الاتجاهات الحديثة في هذا الفن، منها فرقة "محترف بيروت". ومن مظاهر هذه الحركة الثقافية الفوارة - بتعبير مودي حكيم - مقهى "لا باليت" الذي تشكلت فيه حركة فنية ضمت تشكيليين ونقاداً وأدباء ومسرحيين، منهم فاضل سعيد عقل ونزيه خاطر ويوسف حبشي الأشقر ومادونا غازي وجلال خوري وميشال نبعة ورضا كبريت وبول غيراغوسيان. ويقول مودي حكيم في فصل عنوانه "لبنان مطبعة العرب": كثيرون في العالم العربي يجهلون أن المدرسة المارونية في روما، هي المشاركة الأولى في تنظيم علم الاستشراق وضبطه في الجامعات الأوروبية، وفي نشر لغات الغرب وعلومه وآدابه في العالم العربي. وأول مطبعة عرفها لبنان والعالم العربي، استقدمها إلى دير مار أنطونيوس قزحيا سنة 1610 تلاميذ هذه المدرسة، "وهي أيضاً صاحبة الفضل في جمع وحفظ مخطوطات كنوز الفكر العربي والإسلامي المبعثرة في مختلف الأمصار والأصقاع" (ص 75). وكان قطاع الطباعة في لبنان – ولا يزال – يصدر نحو 75 في المئة من إنتاجه الذي يتراوح بين 175 و200 ألف طن سنوياً، إلى العالم العربي وأوروبا وأفريقيا.

تفاحة تنزف
ومع اشتعال شرارة الحرب الأهلية في نيسان / أبريل عام 1975، صمم مودي حكيم غلافاً معبّراً "عن الحادث الجلل الذي دمّر لبنان"، وكان عبارة عن تفاحة حمراء تنزف دماً. كانت شركة "ليون غرافور"، التي أطلقها "سيد فرز الألوان" ليون ترزيان، تتولى تنفيذ الأغلفة التي يصممها حكيم الذي يقول في هذا الصدد إنه بفضل ليون وولديه، هراتش وميساك، وفريق من العاملين المهرة، "تمكنتُ من تقديم مستوى على رفعة في التقنية، مميزاً بين مطبوعات الهيئة المصرية العامة للكتاب، وبان الفرق واضحاً وشاسعاً، بين ما كان ينتج في القاهرة، وما أنتجناه في بيروت، فشتان بين الثرى والثريا".( ص 93).

 

صورة من الحرب الأهلية (وكالات).

صورة من الحرب الأهلية (وكالات).

 

ولأن مودي حكيم مخرج صحافي موهوب، وكاتب يمرر الكلمة على ذائقته قبل أن يمنحها الحياة على الورق، يقول ناشر الكتاب، رسم بكلماته المفعمة حبّاً وشجناً لوحة مبهرة رغم شجنها؛ تدفع القارئ إلى الحيرة والارتباك، حين يسأل نفسه بذهولٍ: كيف تحوَّل لبنان من كل هذا الجمال الفاتن إلى كل هذا الأسى الصادم؟ إنها رحلة فنَّان، كتب بمِدَاد روحه، ورسم بريشة قلبه، لوحة مبهرة إلى حدَّ الوجع، وموجعة إلى حدَّ الإبهار!

حقيقة ما جرى
نقل لنا الكاتب ببراعة - عبر 336 صفحة من القطع الكبير - ملامح بيروت وتفاصيلها وأشهر شوارعها وأسواقها ومعالمها، من خلال صور أدبية تحتفي باللغة، وتأسى لبيروت وما حدث لها، رغم تأكيده أنّها حتى حين تحولت من عروس مزهوَّة بجمالها إلى مكانٍ للقصف والخطف والقتل على الهوية بعد اشتعال الحرب الأهلية، ظلّت تُعاند الموت، فكانت تعرض أحدث الأفلام الأجنبية والمصرية في البيروتين الغربية والشرقية، والأمسيات الساهرة في الجبل لم تتوقف، كذلك المسارح، "وعلى رغم الحرب كنت تجد كل شيءٍ تطلبه ويطرق بالك من سلع استهلاكية، وأزياء موقعة من بيوتات الأزياء الباريسية والإيطالية، إلى جانب الكماليات الأخرى" (ص11).

والكتاب بشكل عام يُعتبر بمثابة وثيقة تؤرِّخ لفترةٍ من أدق الفترات التي مرَّت بها بيروت بشكل خاص، ولبنان بشكل عام، حيث عاش المؤلف الحرب الأهلية لمدة سنتين (من 1975 إلى 1977) بكل ما صاحبها من رُعب ومرارة، ووصفها في كتابه بدِقَّة المُعايش المُعاين لما جرى، مستغلًّا صفته كصحافي كان على صلة بكثير من الصحافيين والسياسيين الذين كشفوا له جوانب مهمة رسم من خلالها صورة لحقيقة ما جرى في هذه الحرب التي ما زال لبنان يعاني من آثارها حتى الآن.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق