نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
رئيس الجامعة اللبنانية الأميركية لـ"النهار": صمّمنا برنامجاً لاستقطاب علماء أميركيين من أصول لبنانية - تكنو بلس, اليوم الجمعة 30 مايو 2025 06:30 صباحاً
أدت هذه الإجراءات إلى تراجع جاذبية الولايات المتحدة كمركز عالمي للتعليم العالي والبحث العلمي، ودفعت العديد من العقول المتميزة إلى التوجه نحو دول أخرى توفر بيئة أكثر ترحيباً واستقراراً.
عرضت "النهار" جوانب مختلفة من هذه المسألة في لقاء عن بعد مع الدكتور شوقي عبدالله، رئيس الجامعة اللبنانية الأميركية، فشدّد على ضرورة إيلاء الجامعة الوطنية الاهتمام اللازم، وكشف عن تصميم الجامعة اللبنانية الأميركية برنامجاً خاصاً لاستقطاب الباحثين والأكاديميين الذين يغادرون الولايات المتحدة، وتمنى أخيراً ألا تستمر هذه الحال، لأنها لا تصب في صالح العالم أجمع.
في ما يأتي تفاصيل الحوار.
هل نحن أمام موجة غير مسبوقة من هجرة العقول العكسية؟
نعم، أكيد. ولست الوحيد من يقول ذلك. بحسب إحصاء أجرته مجلة "نايتشر"، 75 في المئة من الأكاديميين الذين سألوهم إن كانوا يريدون مغادرة الولايات المتحدة قالوا نعم. هناك علماء كثيرون يتركون أميركا. ويمكن أن تتحول هذه الهجرة من مشكلة إلى فرصة، بحسب من يستفيد منها. أوروبا تعمل لاستقطاب العديد من هؤلاء، وكندا، والصين، والدول العربية، ودول الخليج. حتى نحن، نبحث إن كان ثمة مجال لاستقطاب باحثين وأكاديميين، وما يساعدنا أنه يبدو أن الأحوال في لبنان تميل نحو التحسن. لبنان بلد صغير، لكن ثمة دول أخرى كبيرة لا يريد مسؤولوها أن يستعيدوا علماء هاجروا إلى أميركا فحسب، إنما يريدون استقطاب باحثين من جنسيات مختلفة. إنها فرصة بالتأكيد.
ما دور الجماعات الأميركية في الاحتفاظ بهذه الكفاءات؟
مشكلة الجامعات في أميركا أنها لا تستطيع فعل الكثير في هذه المسألة. حين كنت في جامعة "جورجيا تك" (Georgia Tech)، كان يصلنا 1,5 مليار دولار دعماً للأبحاث. وكان 1,3 مليار منها يأتي من قطاعات الدولة، وليس من الشركات الخاصة. اليوم، توقف جزء من هذا الدعم، وربما يكون جزء آخر معرضاً للتوقف، وهذه مشكلة كبيرة. فالشركات الخاصة لا تستطيع تعويض هذه المبالغ. الأبحاث تحتاج إلى تمويل طويل المدى، والدولة تستطيع أن تؤمن ذلك، بينما تريد الشركات نتائج فورية أو بعد ستة أشهر أو بعد سنة. ومبلغ التمويل كبير جداً، أكثر من 100 مليار دولار في كل عام، يأتي طبعاً من الدولة. تمويل جامعة هارفرد يقدر بنحو 9 مليارات دولار، وقد توقف جزء منه كما تعلمون. وتمويل جامعة كولومبيا الذي يقدر بنحو 400 مليون دولار، كما جاء في تقرير نشرته "نيويورك تايمز". لذلك لجأت الجامعتان إلى القضاء المختص في الولايات المتحدة، وبالامكان استعادة التمويل، لكن الضرر وقع، وساد شعور بعدم الأمان، إذ فقد الباحثون الثقة باستقرار التمويل الفيديرالي. إلى ذلك، الحكومة بيدها قوة القانون. إن لم يمنحوا شخصاً تأشيرة دخول، أو قالوا لآخر إنه لا يستطيع البقاء، فلا يمكن للجامعات أن تسأل عن السبب. يمكن للجامعات أن تتعاون، أن تتعاضد. ليس بمقدور الجامعات الأميركية أن تقول لا أريد تمويلاً من الدولة، فإن لم تحصل على هذا التمويل، لا تستطيع التعاقد مع الأساتذة والباحثين، ولا توفير منح للتلاميذ.
هل يعود الباحثون من أصول غير أميركية إلى أوطانهم الأصلية؟
كل ذلك مرهون بجواب السؤال: أين؟. في الصين مثلاً، يحاولون استقطاب باحثين من جنسيات مختلفة، وليس من يتحدرون من أصول صينية فحسب. ثمة دول أخرى تقدم تسهيلات. لا تملك الدول العربية رصيداً كبيراً من الباحثين الموجودين في أميركا لاستعادتهم. لكن هذه الدول تستطيع استقدام باحثين أوروبيين أو لبنانيين أو صينيين، أو من الهند، من كل بلدان العالم. هناك باحثون لبنانيون كثيرون في أميركا، ونبحث في إمكانية استقطابهم، لأن ما زال ثمة صلات تربطهم بلبنان. وهناك حالات خاصة ندرسها. الجامعات في لبنان مقيدة لأن القوانين لاتزال قديمة.علؤ سبيل المثال ، إذا قدم شخص ما أو شركة ما منحة مالية لأي جامعة في أميركا، فإنها تُحسم من الضرائب المستحقة. هذا غير متاح في لبنان. هذا أمر مفيد للطرفين، للمانح وللجامعة. لا شكّ في أن الأحوال تتحسّن في لبنان، وكثيرون يريدون العودة إلى الوطن، لكن إذا كان الباحث اللبناني في منتصف مسيرته المهنية، لا في أولها ولا في آخرها، فسيكون رب عائلة، عليه مسؤوليات، يريد أن يكمل مسيرته، ويريد أن يتممّ أبحاثه، لكن هذا صعب من دون تأمينات. يمكننا استعادة بعض هؤلاء اللبنانيين، وإلا سيذهبون إلى الصين، أو إلى بلدان أخرى. في الجامعة اللبنانية الأميركية، صممنا برنامجاً لاستقطاب الباحثين سوف نعرضه قريباً على مجلس أمناء الجامعة كي نطلقه.
ماذا عن الجامعات اللبنانية الأخرى؟
إمكانات الجامعة اللبنانية أقل، طبعاً. لكن الحل يكمن في أن تتعاون الجامعة اللبنانية معنا أو مع أي جامعة خاصة أخرى، لاستقطاب باحثين وأكاديميين يعملون في الجامعتين معاً. إلى ذلك، هناك متمولون كثر في لبنان، وهناك شركات خاصة كثيرة مهتمة. إن استثمار مليون دولار في الخارج يردّ 40 ألف دولار سنوياً. استثمار 5 ملايين دولار أميركي يردّ 200 ألفاً دولار أميركي. هذا المبلغ يكفي لاستقدام باحثين اثنين لمصلحة الجامعة اللبنانية. لكن المشكلة أنك لا تستطيع أن تدفع 100 ألف دولار سنوياً لباحث مُستقدم، بينما تدفع 10 أو 15 أو 20 ألف دولار سنوياً لباحث لبناني مقيم. في رأيي، تعزيز قدرات الجامعة اللبنانية أمر أساسي وأولوية، ففيها 75 ألف تلميذ أو أكثر. إذا صارت جامعة عالمية مثلما يجب أن تكون، وإذا زادت قدراتها المادية واستقطبت الكفاءات العلمية، هناك كثيرون يفضلون أن يرسلوا أولادهم إليها، بدلاً من إرسالهم إلى الخارج. ويجب تقوية العلاقات بين الجامعة اللبنانية والجامعات الأخرى. ويجب أن نفكر في توسيع سوق العمل ليجد الخريجون عملاً بعد تخرجهم. تحدثت مع رئيس الجامعة اللبنانية، وتحدثت مع رؤساء الجامعات الأخرى في لبنان، كي نبذل جهداً جماعياً. ففي جامعات لبنان كلها، مسجَّل 160 ألف تلميذ تقريباً. في أميركا، 18 مليون تلميذ مسجلون في الجامعات.
أتتوقع مزيداً من التصاعد في نزيف العقول الأميركي؟
نعم. والمشكلة لا تكمن في ما يحدث الآن فحسب، إنما فقدان اليقين بالمستقبل والتوجه للمجهول . حذرنا من هذا الأمر في أكثر من دراسة. لما يجري الآن مفاعيل طويلة الأمد. يجب أن تبقى الولايات المتحدة بلداً مفتوحاً، وأن تستمر في تعليم طلابها. لماذا تذهب الناس إلى أميركا؟ ليس لأنها تمنحهم فقط فرصاً أكثر ، بل لأن ثمة فراغاً بحثياً هناك. الاقتصاد قوي، فيتخرج الأميركي وينخرط تواً في سوق العمل. لا يكمل مسيرته الدراسية في الماجستير والدكتوراه. قلة فقط تستمر في هذا المسار. أغلبية من يكملون الدراسات العليا في الهندسة أو علوم الكمبيوتر في أميركا اليوم هم من الأجانب. وتوقف التمويل يعني خروج 60 في المئة من طلبة الدراسات العليا أو خريجي الدراسات العليا من أميركا، لإكمال تعليمهم، أو العمل في دول الخليج، حيث يبنون مراكز أبحاث خاصة بهم.
هل تكون الصين وجهة فعلية للخارجين من أميركا وفيها قيود أكثر على الحريات؟
قسم كبير من القادمين من الصين في أميركا من طلاب و غيرهم يعود إلى الصين. لكن ثمة أميركيين أيضاً، ومن غير الأميركيين، مستعدون للذهاب إلى الصين، وحجتهم إكمال مسيرتهم العلمية. بطبيعة الحال، ليست الصين الخيار الأفضل، لكن اليوم، الأمور معقدة قليلاً في أميركا، فيما تقول الصين للباحثين: تعالوا واعملوا على ابحاثكم، لكن لا تتحدثوا في السياسة. وكثير من الباحثين والعلماء لا يميلون إلى السياسة، فهم منشغلون بأبحاثهم العلمية، وبالنتائج المنتظرة منها. بالتأكيد، حرية التفكير والتعبير ضرورية، لأنها تساعد الباحث في عمله، إذ يستطيع أن يطرح الأسئلة التي يريد طرحها. في المقابل، الصين كبيرة، والمجال فيها واسع.
هل الدول العربية قادرة على استقطاب هؤلاء العلماء؟
إنهم يبنون مراكز أبحاث. ماذا يريد العلماء؟ يريدون مختبرات وأدوات متطورة، ويريدون اخصائيين يعملون معهم. الدول العربية تبني الآن الفضاء العلمي، بالاتفاق مع شركات عالمية. وهم الآن يجمعون الكفاءات الضرورية (critical mass) لتشغيل هذا الفضاء العلمي. الدول العربية اليوم لديها الخطط وتقدم التسهيلات. لا أقول إنها ستنجح أو لن تنجح. ثمة ثلاثة شروط لإنجاز مشروع كبير: أولاً تحديد الهدف، يجب أن يكون ذات تأثير كبير كمكافحة التلوث العالمي أو علاج السرطان، إذ تريد تأثيراً كبيراً يجمع الناس حوله؛ ثانياً الشراكات، مع شركاء في الداخل وآخرين في الخارج؛ وثالثاً القيادة، وعلى من يقود أن يعرف أن هكذا المشروع قد يدوم 20 أو 30 أو 40 عاماً.
على المدى الطويل، إن استمر هذا النزف العلمي، لن تبقى أميركا مصدراً فعلياً للمعرفة!
أتمنى ألا يستمر هذا الأمر. أميركا قادرة على فعل الكثير ويجب أن تستمر في ذلك. فإن لم تفعلها أميركا، فمن يفعلها؟ فبحجمها وبالاستثمارات التي تملكها والإمكانات المتوافرة لديها، أفادت العالم ككل، من اللقاحات إلى الإنترنت. لقد استثمرت الدولة الأميركية الكثير من المال في هذه المجالات، لكن العالم كله استفاد منها. لكن صار الجميع يفكرون مرتين وثلاث مرات قبل أن يذهبوا إلى أميركا. في رأيي، الأفضل أن تنسج أميركا علاقات مع دول أخرى. ربما اقترب اقتصاد الصين من اقتصاد أميركا، لكن هناك ديناميكية مختلفة في أميركا. الاختراعات التي تظهر الآن هي نتاج استثمارات رصدتها الدولة منذ 20 و30 و50 عاماً. فالناس يعتقدون أن "أوبن آي آي" ظهرت واخترعت الذكاء الاصطناعي و"تشات جي بي تي". هذا اعتقاد خاطئ. هذه أشياء نتجت من تراكم عشرات السنين من الخبرات والابحاث.
0 تعليق