نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
من قرار التقسيم إلى الإبادة... سياسة القضم الإسرائيلية - تكنو بلس, اليوم الجمعة 30 مايو 2025 04:58 صباحاً

طفل فلسطيني أصيب باقصف الاسرائيلي في غزة×أ ف ب)
لم يقبل العرب قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة عام 1947الذي حمل الرقم 181 وقضى بتقسيم فلسطين إلى دولتين واحدة يهودية وواحدة عربية. كانوا ست دول مستقلة آنذاك هي مصر والسعودية واليمن ولبنان وسوريا والعراق والأردن، وقد أسسوا جامعة الدول العربية التي أصبحت حالياً تضم كل الدول العربية من المحيط إلى الخليج. اعتبروا القرار مجحفاً بحق الفلسطينيين لأنه يعطي اليهود الذين يقل عددهم عن نصف عدد السكان في مقابل الاكثرية الفلسطينية، 55 في المئة من الأرض والعرب 43 في المئة على ان تخضع القدس ومحيطها لإدارة دولية.
رفض الفلسطينيون والعرب القرار وابتهج به يهود كثر من قادة الحركة الصهيونية، باستثناء زعماء المنظمات الإرهابية كمناحيم بيغن واسحاق شامير وغيرهما، واعتبره ديفيد بن غوريون في رسائله ومذكراته مقدمة للسيطرة على كل الأرض الفلسطينية في وقت لاحق. ستكشف وثائق تلك المرحلة ومذكرات رجال السياسة فيها عن وقائع كثيرة لا يمكن وصفها الا بأنها فضيحة سياسية وأخلاقية ارتكبها العالم بحق فلسطين وأهلها، تكرست عملياً في اقتلاعهم من أرضهم بعد أشهر والسيطرة على معظم فلسطين، باستثناء الضفة الغربية التي أوكلت مهمة إدارتها الى الأردن وغزة التي اتبعت بمصر. إنها نكبة 1948 التي لاتزال تتناسل حتى اليوم، نكبات وخيبات بعدما أوهمت دول الطوق آنذاك الفلسطينيين بأن عودتهم هي مسألة أيام وأن جيوشها تستعد لطرد المستوطنين من كل فلسطين، لكن العالم كله في ذلك الزمان كان متواطئاً مع إسرائيل، وكان العرب في حال وهن وانعدام وزن سياسي وعسكري. الحكم على تلك المرحلة وأبطالها متروك للوثائق المتوافرة في كل مكان وهي تكشف من خَدع ومن خُدع ومن تواطأ ومن خذل.
التذكير بتلك الحقبة هو لربطها بما يحصل اليوم في غزة مروراً بهزيمة العرب في حرب 1967 التي انتهت باحتلال اسرائيل جغرافية فلسطين كاملة وصحراء سيناء المصرية ومرتفعات الجولان السورية، وبصدور القرار 242 الشهير والقاضي بالعودة إلى حدود ماقبل هذه الحرب. لكن القرار تضمن لغماً يبدو مقصوداً في الترجمة الانكليزية، اذ استخدم كلمة أراضٍ بدل الأراضي المحتلة، ولم يرض العرب الذين أصروا على إعادة كل الأراضي التي احتلت، رافضين الدعوة المبطنة التي تضمنهاإلى السلام مع إسرائيل. كانوا يظنون أن تحرير فلسطين ىات مهما بعُد الزمان وكان المد الثوري في أوجه رغم الهزيمة. وستأتي حرب تشرين بعد ستة أعوام لتعيد بعض الأرض، ولاسيما منها سيناء، وكان الثمن اتفاقات كامب ديفيد التي أخرجت مصر من الصراع بعدما أعادت إليها سيناء.
سيمضي قطار القضم الإسرائيلي وتراجع المطالبات العربية والفلسطينية إلى القبول بدولة ليست بدولة، تمخضت عنها محادثات أوسلو التي توجت بالإتفاق المعروف الذي قضى بإقامة سلطة فلسطينية ممزقة الاوصال على غزة وبعض الضفة الغربية، من دون القدس التي ستعلنها إسرائيل عاصمة موحدة وأبدية لها رافضة أي حوار حولها، بالتوازي مع أعلان ضم الجولان السوري بمباركة الرئيس الاميركي دونالد ترامب في ولايته الأولى.
هذه الدولة الفلسطينة حملت في جسدها بذور انهيارها، فلا هي تملك مقومات دولة ومواردها، ولا هي تتمتع بسيادة على أرضها، ولا إسرائيل تريدها أن تبقى وقد تنصلت بالقضم من التزامات أوسلو، ولا قيادتها السياسية بمنظمتها وحماسها مؤهلة لان تديرها بكفاءة.
بكثير من الخبث الدعائي تدير إسرائيل حربها الإجرامية على غزة يساندها إعلام غربي متصهين ومراكز قرار دولي ودول معروفة. تتبع سياسة القضم التدريجي للأرض وللمواقف وللرأي العام. تعمل مراكز التضليل عبر كل الوسائط لحرف أنظار العالم عن حقيقة الحرب.
تنفذ إسرائيل أخطر عملية ترحيل بعد تدمير بلد يضم أكثر من مليوني إنسان، وهو عدد يفوق ضعفي عدد الفلسطينيين الذين هجروا عام 1948. مجازر يومية ترتكب بحق الغزيين الفارين من الموت الى الموت، عائلات تباد بأكملها ومخيمات تؤوي نازحين تحرقها الصواريخ وتمزق أشلاء الهاربين إليها كل يوم. لكن هذا ليس موضع اهتمام العالم. وفي كل ذلك تلغي نهائياً حل الدولتين الذي لن يكون حظه في الوجود أكثر من حظوظ ما سبقه من اقتراحات حلول وافق عليها العرب ورفضتها إسرائيل.
لقد اختصر الإعلام الغربي الحرب على غزة بصور الأطفال الجوعى وتهافتهم على المساعدات الغذائية الشحيحة. خلال أيام تحولت الحرب على غزة إلى حملة إنسانية لتقديم الغذاء، فسارع دونالد ترامب الى الطلب من صديقه نتنياهو تسهيل دخول الغذاء، ومثله فعل قادة غربيون وغير غربيين، وتراجع الاهتمام بالهدف الأبعد للحرب التي يبدو انها سائرة اما نحو القضاء على الغزيين في أرضهم وإما ترحيلهم قسراً أو طوعاً، تحت أنف العالم ونظره.
0 تعليق