نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
جوخة الحارثي لـ"النهار": "البوكر" عرّفت بعُمان... والأدب يخلق منطقة مشتركة إنسانياً - تكنو بلس, اليوم الجمعة 30 مايو 2025 12:26 صباحاً
يسطع إسم الكاتبة العُمانية جوخة الحارثي واحداً من أبرز الأصوات الأدبية العربية التي نجحت في تجاوز الحدود الجغرافية واللغوية، فهي استطاعت أن تخلق لنفسها مساحة فريدة في عالم الأدب، وحظيت أعمالها التي تتناول الواقع العماني وتحولاته الاجتماعية باهتمام نقدي وجماهيري واسع.
لم تفتح روايتها "سيدات القمر" (نشرتها دار الآداب اللبنانية في 2010) أبواب الشهرة لها فقط، بل دخلت بها التاريخ كأول عمل أدبي عربي يُتوج بجائزة "مان بوكر الدولية" 2019، بعد ترجمتها إلى الإنكليزية في 2018. تُرجم أدبها إلى أكثر من 20 لغة، ليصل إلى قرّاء من ثقافات مختلفة، ما أضفى بعداً عالمياً على تجربتها الأدبية التي عرّفت من خلالها العالم إلى بلادها وثقافتها.
"النهار" حاورت جوخة الحارثي، حول عالمها الإبداعي في زمن التغيرات الثقافية المتسارعة. وهنا نص الحوار:
*كيف دخلتِ عالم الأدب والرواية؟
-نشأت في كنف أسرة أدبية، فجدي كان شاعراً، وخالي شاعراً ورحالاً؛ فكنت محاطة بالكتب، لا سيما الكلاسيكيات والروايات والشعر، ولم أكن أتصور العالم دون الأدب، إذ شكّل جزءاً بالغ الأهمية في تكويني، كما أن والدتي كانت مغرمة بالشعر القديم، تحفظ الكثير من أبياته وترددها في البيت، وفي وسط هذه الأجواء، كان من الطبيعي أن أبدأ الكتابة في مراحل الدراسة.
*حدثينا عن روايتك "سيدات القمر"، وكيف انبثقت فكرتها؟
كتبتُ القصص القصيرة خلال المدرسة والجامعة، وبعد التخرج سطرت روايتي الأولى "منامات"، التي نُشرت لاحقاً في لبنان، لكنها كانت تجربة أولى غير ناضجة بالقدر الذي يرضيني اليوم. وسافرت إلى المملكة المتحدة لإعداد الدكتوراه في جامعة إدنبرة وأصبحت هناك مسافة تفصلني عن عُمان؛ فبدأت أرى بلادي بصورة أوضح؛ فحين ينغمس الإنسان في المكان أو الموقف لا يمكنه رؤيته بعمق، لكن الغربة منحتني فرصة تأمل المجتمع والتغييرات التي يشهدها.
من هنا كتبت "سيدات القمر"، وكانت فترة صعبة، فكنت أكتب أطروحة الدكتوراه بالإنكليزية صباحاً، وفي الليل أشعر أنني بحاجة إلى لغتي الأم، التي كانت بمثابة "الرحم" الذي يمنحني الدفء والحميمية، فكنت أكتب بالعربية عن مكان أفتقده وأشتاق إليه، لكن من دون تقديمه بصورة رومانسية أو مثالية، إذ ابتغيت رصد مجتمعٍ يشهد حالة تغيير، ويضم جيلًا واحداً فارقاً بين جيل الأجداد الذين تلقوا تعليماً تقليدياً، والأبناء الذين بلغوا أرقى المستويات التعليمية.
'سيدات القمر'. (دار الآداب)
كتبت في الرواية عن العلاقات داخل الأسرة الواحدة، وهي متشابكة ولا توجد صورة نمطية يمكن اتخاذها دليلًا أثناء الكتابة؛ لأن العلاقات البشرية في غاية التعقيد. وأيضاً شخصيات النساء في الرواية تختلف بمقدار اختلاف نظرتهن إلى ذواتهن وسُبل تحقيقها من جيل إلى آخر، وضعت هذه العوامل جميعها أمام ناظري أثناء الكتابة، ما جعل التجربة شاقة ولكنها ممتعة واستغرقت كتابتها 5 سنوات، وأرسلتها إلى "دار الآداب" في لبنان التي نشرتها فوراً عام 2010، مرفقة بتقرير تحكيم رائع ما زلت أحتفظ به، وكتب عنها نقاد بارزون، لكنها لم تحظ بانتشار واسع حتى تُرجمت إلى الإنكليزية عام 2018، وفازت بجائزة "مان بوكر" العالمية عام 2019، وهي العمل العربي الوحيد الذي نال هذه الجائزة، وتُرجمت إلى أكثر من 26 لغة، وسافرت إلى دول كثيرة، وأماكن لم يسمع أهلها من قبل عن عُمان، فكانت فرصة للتعريف ببلادي وليس بكتبي فقط.
هل جاءت "سيدات القمر" وشخصياتها استناداً إلى قصة حقيقية؟ ومن أين استوحيتِها؟
بالنسبة إلي، تكون الشخصيات أثناء الكتابة من بنات خيالي، لكنها أحياناً تمتلك جذوراً واقعية، فبعض الأحداث أو الشخصيات قد تكون مستمدة من الواقع، لكنها لا تظهر في الرواية كما هي بصفاتها الموجودة في الواقع تماماً. وعادةً ما أُعيد تشكيل الشخصية وصوغها من أحداث وقعت لأناس مختلفين، وأمزج بين أحداث حقيقية وأخرى متخيلة، فالتكوين النهائي للشخصية يسطره خيال الكاتب وقراءاته والأفكار التي يؤمن بها.
"سيدات القمر" كانت بوابتك إلى العالمية، ورصدت خلالها الحداثة في المجتمع العُماني... كيف يمكن للأدب رصد هذه التحولات؟ وما مدى قدرته على تغيير الوعي المجتمعي؟
إذا أردنا أن نكون متفائلين، يمكننا أن نحلم بأن الأدب قادر على تغيير الوعي المجتمعي. وهذه نظرة حالمة متفائلة، لكنها تحمل قدراً من الحقيقة. فحتى إن لم يُغيّر الأدب الواقع مباشرة، فهو قادر على أن يُثير فينا التفكير والتأمل، فعندما نقرأ الأدب نكتشف أبعاداً إنسانية ونفهم ما قد لا نفهمه في الواقع، وندرك عمق العلاقات الإنسانية ومدى تشابكها، فالأدب يمنحنا أدوات لفهم أعمق لواقعنا.

مكرّمة بـ'البوكر' مع المترجمة مارلين بوث.
كيف رأيتِ استقبال القارئ العربي والغربي لأعمالك؟ وهل ثمة اختلاف في التلقي؟
جاء استقبال القارئ العربي متفاوتًا؛ فثمة مستويات مختلفة في القراءة، فهناك القارئ المثقف والمطلع (الحقيقي)، وغالبًا ما يكون استقباله إيجابياً لامتلاكه خلفية معرفية، وهناك من يقرأ الرواية بسبب شهرتها فقط، وهذا ليس قارئاً بالأساس، وأحياناً قد تكون وجهات نظره سطحية أو محدودة، بل قد يصدر أحكامه من منطلقات أخلاقية أو شخصية.
وثمة فئة أخرى، لا تحبذ أو أبدت تحفظاً لمجرد أن جائزة البوكر ذهبت إلى كاتبة عُمانية، وليس إلى كاتب من بلدان لطالما اعتُبرت تاريخياً مراكز ثقافية مثل مصر أو لبنان، هذا التحيز كُتب عنه صراحة في بعض المقالات، لكن عموماً كتب كثير من النقاد المرموقين في العالم العربي بشكل إيجابي عن الرواية.
وهناك تلقٍّ آخر، مثل القارئ المسلم في الهند الذي قرأها من زاوية قُربها الثقافي والديني من مجتمعه، فكان يبحث عن التشابهات، وتلقاها باعتبارها مكتوبة من إمرأة مسلمة في بلد قريب من الهند.
أما بالنسبة إلى القارئ الأجنبي، فكان التلقي مختلفاً، إذ لا يتعامل مع العمل بوصفه أدبا فقط، بل بوصفه منتمياً إلى البلد والثقافة التي جاء منها. وقد فاجأني أن هناك من تواصلوا معي، وقالوا إنهم سافروا إلى سلطنة عمان؛ لأنهم قرأوا "سيدات القمر" وغمرهم الفضول للتعرف إلى البلد الذي تتحدث عنه الرواية. فالقارئ الغربي يبحث عن الاختلافات وليس المتشابهات وتفاصيل الحياة المختلفة عن مجتمعه، وأحد النقاد الأميركيين كتب مقالًا بعنوان: "لماذا يجب أن يقرأ جميع الأميركيين رواية سيدات القمر؟"، وكانت فكرته أن من الضروري أن يدرك الأميركيون وجود مجتمعات حيوية ومختلفة عن مجتمعهم.
وفي روايتي "نارنجة"، تموت الجدة، وكانت الحفيدة متعلقة بها للغاية. وعندما تُرجمت إلى الإنكليزية، وصلتني رسائل من قرّاء حول العالم يخبرونني بأنهم بكوا وتذكروا جدّاتهم، وبعضهم قالوا إنهم أعادوا النظر في علاقتهم بجدّاتهم وهن على قيد الحياة، فما يصنعه الأدب هو تواصل إنساني عابر للغات والحدود.
لكنني شخصيًا لا أنشغل بالاختلاف، بل أؤمن بأن هناك جوهراً إنسانياً مشتركاً يوحّد البشر، فكلهم يحبون ويخسرون ويفقدون ويتألمون، ونعيش تجارب إنسانية متشابهة مهما اختلفت أدياننا وثقافاتنا؛ لذلك فالأدب يخلق "منطقة مشتركة إنسانيًا" تجمعنا في ظل ما يشهده العالم من مآسٍ وتحيزات عرقية ودينية وحروب إبادة.
تعبرين في أعمالك عن المرأة بأجيالها وأفكارها المختلفة... برأيك هل السيدات هن الأقدر على التعبير عن قضايا المرأة أكثر من الرجال؟
لا أتبنى موقفاً محدداً حول ممن هو الأقدر على التعبير عن قضايا المرأة، لإيماني بأن الأمر يعود إلى خبرة الكاتب ومهاراته وقدرته على الكتابة بصدقية. لكن بطبيعتي، أكتب عن النساء أكثر لأنني أكتب عمّا أعرفه والعوالم القريبة مني.
*بخصوص ترجمة أعمالك، برأيك هل النص العربي يملك ما لا يُترجم؟ وماذا يفقد النص عند ترجمته؟
-يعتبر كل كاتب نصه كأنه جزءٌ منه، مثل ابنه تماماً؛ يحمل تجاهه مشاعر حميمة، متمنياً ألا يفقد أي شيء عند ترجمته، لكن الواقع أن الترجمة بطبيعتها تعتمد على عوامل عدة، بينها قدرة المترجم وكفاءته، وأظنني كنت محظوظة في الترجمة الإنكليزية بمترجمة رائعة هي مارلين بوث، أستاذة الأدب العربي في جامعة أوكسفورد.

الترجمة الإنكليزية لـ'سيدات القمر'.
أما بالنسبة إلى اللغات التي لا أقرأها، فأعتمد على ثقتي بالناشرين وترشيحهم مترجمين أكفياء، وحاولت في معظمها أن تُترجم مباشرة من العربية وليس عبر لغة وسيطة، باستثناء ترجمتين فقط، وفي النهاية، لا حل أمامنا لنشر الأدب وقراءته إلا عبر الترجمة، وينبغي تقدير الجهد الكبير الذي يبذله المترجمون. فمثلًا، قامت المترجمة كلاوديا أوت بترجمة أبيات الشعر الواردة في إحدى رواياتي إلى الألمانية، محافظة على بحور الشعر العربي، وهو جهد كبير وخارق.
*توجت "سيدات القمر" بجائزة عالمية... هل تتوقين إلى جوائز أخرى؟
بعد "سيدات القمر"، توالت الإصدارات، وأخيراً صدرت مجموعة قصصية بعنوان "ليلٌ ينسى ودائعه"، وتُنشر بالتزامن ضمن ست طبعات عربية في كل من فلسطين، الجزائر، مصر، لبنان والعراق.
وأنا لا أفكر في الجوائز حينما أكتب، ليست هدفي الأساسي، وعندما قدمت رواية "حرير الغزالة" للناشرة، أخبرتها بألا تُرشّحها لأي جائزة. فقد نلت جائزة السلطان قابوس عن رواية "نارنجة" التي رُشحت أيضا لجائزة "جيمس تايت بلاك" البريطانية، ونالت "سيدات القمر" جائزة الأدب العربي في فرنسا من مؤسسة جان لوك لاغاردير.
تحولت تجربتكِ الأدبية الشديدة المحلية إلى عالمية، كيف تنظرين إلى تأويلها بلغة قد لا تحمل جذورك وذاكرتك؟
أرى أن اللغة المترجَم إليها تحمل جذوراً وذاكرة بطريقتها الخاصة، وهذا ما تفعله الترجمة؛ لذا نحن مدينون لها، وتُعد اشتراطات العالمية أمراً إيجابياً للغاية، لأنها تعني أن الأدب العربي يُقرأ خارج القوالب والسياقات التي ترسمها وسائل الإعلام الغربية، والتي غالباً ما تُظهر منطقتنا العربية بصورة منحازة، وتختزل الحياة على مشاهد الحرب والصراع، بينما هناك ثقافة وعمق وأشخاص يعيشون تفاصيل يومية لا ينقلها الإعلام، وهنا يكمن جمال الأدب حيث يجد القارئ شرطه الإنساني في رواية كُتبت في بلد بعيد عنه.
0 تعليق