نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
قبرص تُحرج التحالف التركي: حين يتفوّق الاقتصاد على روابط الأخوّة - تكنو بلس, اليوم السبت 10 مايو 2025 07:50 صباحاً
أعلنت كل من كازاخستان وتركمانستان وأوزبكستان التزامها بقراري مجلس الأمن رقم 541 و550، اللذين يدينان إعلان "الجمهورية التركية لشمال قبرص" ويدعوان إلى عدم الاعتراف بها.
وقد شكّل هذا التطوّر صفعة لأنقرة ومكسباً لبروكسل وجمهورية قبرص اليونانية في سياق التنافس التركي–الأوروبي، ما أثار موجة من السخط داخل تركيا، ودفع المعارضة إلى تصعيد انتقاداتها للسياسة الخارجية للحكومة، التي أدّت – بحسبها – إلى "اندثار طروحات حل الدولتين".
تحالف ثقافي تحت الاختبار السياسي
افتتحت كازاخستان سفارة لها في جمهورية قبرص اليونانية، فيما أعلنت كل من أوزبكستان وتركمانستان اعتماد سفيريهما لدى إيطاليا كممثلين ديبلوماسيين معتمدين لدى نيقوسيا.
وقد شكّلت القمة الأولى بين الاتحاد الأوروبي ودول آسيا الوسطى، التي عُقدت في 4 نيسان/أبريل 2025، منعطفاً لافتاً في تعاطي هذه الدول مع الملف القبرصي، بعد أن تضمّن البيان المشترك فقرة ترفض الأطروحات التركية بشأن الجزيرة.
ولطالما سعت تركيا، في عهد الرئيس رجب طيب أردوغان، إلى تعزيز روابطها مع الدول الخمس في آسيا الوسطى، والتي تُعرف في الأدبيات السياسية التركية بـ"الدول التركية". أربعٌ منها – كازاخستان، أوزبكستان، تركمانستان وقيرغيزستان – أعضاء في "منظمة الدول التركية"، إلى جانب "الجمهورية التركية لشمال قبرص" بصفة مراقب. وتعتبر أنقرة هذه المنظمة أداة استراتيجية لبسط نفوذها في القوقاز وآسيا الوسطى.
أما طاجيكستان، المرتبطة بموسكو، فتبقى خارج المنظمة لأسباب سياسية وخلافات مع أنقرة.
غير أن توقيع دول المنظمة على الإعلان الأوروبي، أثار تساؤلات عن مدى تماسك علاقاتها مع تركيا، التي لطالما سوّقت نفسها للغرب كجسر محتمل لدمج هذه الدول في المنظومة الأوروبية وإبعادها عن الفلك الروسي.
حين يتقدّم الاستثمار على الولاء
تصدّر العامل الاقتصادي قائمة الأسباب التي دفعت دول آسيا الوسطى إلى الانفتاح على الاتحاد الأوروبي، فالعقوبات المفروضة على روسيا أثّرت سلباً في اقتصاداتها المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بموسكو.
وفي هذا السياق، جاء وعد بروكسل بضخ استثمارات بقيمة 12 مليار يورو، ليغري هذه الدول بالتقارب، حتى على حساب "العلاقات العاطفية" المبنية على الروابط الثقافية والعرقية مع تركيا.
وتسعى دول آسيا الوسطى إلى تحقيق توازن بين القوى الكبرى المؤثرة في الإقليم: الصين، روسيا، الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي وتركيا، والابتعاد عن الاعتماد الأحادي الذي ميّز عقوداً من الارتباط بروسيا.
ورغم تصاعد الحضور التركي في المنطقة، لا تزال أنقرة متأخرة عن موسكو وبكين. أما الاتحاد الأوروبي، فبات يُنظر إليه كـ"نموذج تكاملي" يساعد على تجاوز النزاعات الحدودية والسياسية في ما بينها.
ومن خلال التقارب مع بروكسل، تريد هذه الدول "فتح الباب أمام عصر جديد"، بحسب تعبير رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين. ويتطلّع الاتحاد إلى ترسيخ موطئ قدم في مجالات الطاقة والنقل والصناعة ضمن "استراتيجيته الجديدة في آسيا الوسطى".
اعتراف غائب وتضامن خجول
في عام 1974، شنّ الأتراك عملية عسكرية أدّت إلى سيطرتهم على شمال قبرص، وأُعلن في 1983 قيام "الجمهورية التركية لشمال قبرص"، التي لم تعترف بها أي دولة سوى تركيا. وقد مُنح هذا الكيان صفة مراقب في "منظمة التعاون الإسلامي"، ولاحقاً في "مجموعة الاتصال بشأن قبرص" عام 2022.
وبعد فشل خطة عنان في 2004، وانهيار محادثات التوحيد في 2017، أعلنت أنقرة أنها ستسعى للاعتراف الدولي بشمال قبرص. لكن قدرتها على الضغط ديبلوماسياً لا تزال محدودة، في ظل رفض واضح من حلفائها في الغرب، بل حتى من أقرب شركائها في آسيا الوسطى.
ولم يلقَ الملف القبرصي التضامن السياسي المأمول، بل إن المواقف الأخيرة كشفت مدى هشاشة دعم الدول "التركية" للموقف التركي، واقتصاره على بيانات مجاملة، لا ترقى إلى الاعتراف أو المساندة الصريحة.
ورغم ذلك، فضّلت أنقرة عدم التصعيد، خشية الإضرار بعلاقاتها التجارية والاستثمارية مع تلك الدول، في ظل أزمتها الاقتصادية والاحتقان الداخلي.
ولم يعلّق وزير الخارجية هاكان فيدان إلا باقتضاب، قائلاً إنه "لا يريد مناقشة الخلافات العائلية علناً"، في حين طالب زعيم شمال قبرص، إرسين تتار، الدول "التركية" بـ"مزيد من الحذر في علاقاتها مع الجانب اليوناني".
قبرص تدخل السلاح الأميركي
في آخر أسابيعه بالبيت الأبيض، أصدر الرئيس الأميركي السابق جو بايدن توجيهاً يسمح ببيع الأسلحة لجمهورية قبرص، ممهداً الطريق أمام أثينا للحصول على معدات عسكرية أميركية.
وقال بايدن إن "تزويد قبرص بالمواد والخدمات الدفاعية سيعزز أمن الولايات المتحدة ويخدم السلام العالمي".
وقد شهدت العلاقات بين واشنطن ونيقوسيا دفعة قوية في عهد بايدن، خصوصاً بعد رفع حظر بيع السلاح عام 2020، وتوسيعه في أيلول/سبتمبر 2022، ثم إطلاق "آلية الحوار الاستراتيجي" عام 2024.
كذلك، استضاف البيت الأبيض الرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليديس في تشرين الثاني/نوفمبر 2024، ليكون أول رئيس قبرصي يُستقبل رسمياً في واشنطن منذ 28 عاماً.
ورقة داخلية وخارجية في يد أردوغان
يولي أردوغان ملف قبرص أهمية قصوى، سواء في سياق تحالفه مع حزب "الحركة القومية" اليميني، أو في حساباته الداخلية، إذ يحظى الموقف من قبرص بدعم شعبي واسع في تركيا.
وتخشى السلطة من استغلال المعارضة لهذا الملف لتقويض رصيدها السياسي. وربما لهذا السبب، سارع أردوغان إلى زيارة الجزيرة منذ أيام، وحضور معرض لتقنيات الدفاع، رداً على القرار الأميركي.
وهكذا تبقى قضية قبرص ورقة سياسية فعالة في الداخل التركي، وعاملاً أساسياً في معادلة أنقرة المعقّدة مع الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي.
0 تعليق