صفعة الأمم وصفعة الحبيب - تكنو بلس

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
صفعة الأمم وصفعة الحبيب - تكنو بلس, اليوم الثلاثاء 24 يونيو 2025 12:56 مساءً

بقلم السفير جبران صوفان

 

 

في زمن الصفعة وتعرّض أحد جنود "اليونيفيل" للضرب في جنوب لبنان بتاريخ 10 حزيران الجاري، وما قبله وبعده من إشكالات "وهجمات" حسب توصيف مجلس الأمن الدولي، أستذكر  فؤاد بطرس وغسان تويني، شخصيتين بارعتين، لا ثالث لهما برأيي في الدبلوماسية والقانون والصحافة، بلغا في تلك الميادين أسمى اليقين وارتبط إسماهما بمجيء "القبعات الزرق" إلى الجنوب عام 1978. وبعد انقضاء 47 عاماً على اعتماد القرار425  واستمرار ارتباطه بالأحداث، أدرِكُ كم أغنيا لبنان بسبائك الدبلوماسية الذهبية، لاسيما وأنه في السنوات الأخيرة أرصدة لبنان مصفّرة أو مكشوفة وأحواله دقيقة. وفيما "الوضع لا يزال هشاً" في الجنوب بناء على تقييم أمين عام الأمم المتحدة غوتيريش في  تقريره تاريخ 12  آذار 2025   عن تنفيذ القرار 1701، تبدو لي الصفعة أشبه بمحاولة متجدّدة ومتفلتة الضوابط لإصابة "أخيل" الأممي في كاحله. وفي مشهدية اللاعبين ، الصافع لبناني والمصفوع قوة سلام صديقة ،وعدو إسرائيلي معارض لوجودها ومستخف بها إلى حد اعتبارها "مزحة" كما قال عنها السفير الإسرائيلي  السابق Itamar  Rabinovitch .

 

لذلك تكثر التساؤلات عما إذا كان هذا التهجّم يعزّز ترويج نظرية تقاطع المصالح أو يفضي مع التراكمات إلى انسحاب القوة الدولية أو إعادة النظر بوكالتها، فيغدو لبنان الخاسر الأول، هو نفسه المصفوع ،وحاله واحد في كل الأحوال.

 

في غمرة هذه المخاوف على مستقبل اليونيفيل، أعتقد بأنّ مراجعة مسار الدبلوماسية اللبنانية غداة الإجتياح الإسرائيلي الأول في آذار 1978 ،لاسيما ونحن في مرحلة مصيرية ومفتوحة على كل الإحتمالات، ستوفّر التوضيحات لتبديد الشكوك بطبيعة عمل القوة الدولية والتي آلت في الميدان إلى "هجمات واستفزازات وتحريض على الكراهية والعنف وحملات تضليل وبث المعلومات المغلوطة"، كما جاء في قرار مجلس الأمن رقم 2695 تاريخ 31  آب 2023  وتقارير الأمين العام الدورية حول القرار 1701.

 

 

السفير جبران صوفان (انترنت).

 

أولاً – غسان تويني : اليونيفيل، ضمانة لسلام لبنان لا لاستعماره.  

ليست اليونيفيل إبتكاراً من العدم . في خلفيات حضورها إلى لبنان، تفاعل الاحداث الفلسطينية وتداعياتها عليه. فقد دفع لبنان إثماناً باهظة نتيجة النكبة الفلسطينية عام 1948. ومع "حرب الإسناد" على الجبهة اللبنانية، يمكن تصنيف لبنان الأول من حيث الشهداء والخسائر والتضحيات من أجل القضية الفلسطينية، فيما هو راسب من حيث المؤشرات والمعايير المالية والإقتصادية والمعيشية والإصلاح والإنعاش، وفي المكانة الدولية المتعلّقة بأزماته. وبعد النكبة، حلّت النكسة عام 1967 حتى كادت بيروت أن تصبح العاصمة الفلسطينية البديلة وأرضه قاعدة عسكرية للعمليات الفدائية التي قوِيت شكيمتها إثر أيلول الأسود في الأردن عام 1970 وتدفّق الفدائيين الفلسطينيين إلى أراضيه. في هذا السياق، وفرّت عملية "كمال عدوان" في تل أبيب بتاريخ  11  آذار 1978 الحجّة المباشرة لإجتياح  الجنوب فجر15منه. وفي 19 آذار ، كان للبنان قرار تاريخي أنشأ اليونيفيل وإن كان تنفيذه زئبقياً تبعاً للأحداث والمستجدات في المنطقة.

 

ولئن نجح لبنان في إدانة إسرائيل عام 1968 لهجومها العسكري المتعمّد على مطار بيروت الدولي، فقد اختلفت الأولويات عام 1978 كما أسرّ السفير غسان تويني في حديث إلى مجلة اليونيفيل  AL-Janoub، ورد في عدد مرجعي وهام بتاريخ 15  حزيران  2008 . والأهم من كل ذلك قوله:"كان علينا ان نختار بين إنشاء اليونيفيل أو إدانة إسرائيل. لم نتمكن من تحقيق الإثنين ... كنت مقتنعاً أنه من خلال اليونيفيل لا نجلب إحتلالاً استعمارياً إلى لبنان بل حفظة سلام وضمانة دولية لسيادته واستقلاله وسلامة أراضيه". 

 

 هذا الكلام الجدي هو بيت القصيد، لاسيما وأن منطوق القرار 425 لا يزال صالحاً في الجوهر على الحالة التي انتهينا إليها.

 

ثانياً- فؤاد بطرس ،الحل الجذري المُلِح وتجنيب لبنان بازار المواقف العربية المتعارضة

 تبيّن الحقائق آنذاك، أن اليونيفل جزء من "حل جذري"بشقّين لا بقرارين أصرّ عليه الوزير فؤاد بطرس  "لأننا، كما قال، لا نستطيع ولا المواطنون يستيطعون أن يتحملوا دورة العنف القائمة على عمليات إسرائيلية" نتيجة للعمليات الفدائية الفلسطينية. (المذكرات).  وأفلحت الدبلوماسية اللبنانية في تخطّي الإنفعالات وتعرّجات ومنزلقات المصالح الدولية والإقليمية والتي لا تزال تتحكّم بمسار الأحداث في منطقتنا بشكل أو بآخر.

 

ثالثاً – اليونيفيل من العلاقة الوديّة إلى العلاقة التنافرية مع الشبّان الجنوبيين. 

في مراجعتي لنشأة العلاقة بين حفظة السلام والجنوبيين، أجد بأنها قاربت الإخوٌة بعد انتشارهم تباعاً في منطقة عملياتهم، واختبار الجنوبيين صدق نواياهم.

 

في مقابلة معبّرة مع Timor Goksel، الناطق الأسبق بإسم القوة ومستشارها لمدة 24 عاماً، بعنوان "حفظة السلام المتّحدون مع الشعب"، تحدّث الدبلوماسي الأممي والتركي الجنسية عن مشاعر الثقة والصداقة الوطيدة والتفاعل الإيجابي المتبادل بين اليونيفل والجنوبيين والحرص على حمايتهم  ومساعدتهم في الأمور الحياتية، وعن العلاقة الودية الوثيقة بين القوة الدولية و"حركة أمل"، و"الشبان، نواة حزب الله" في تلك الفترة. فأتت التطوّرات الإيجابية على نقيض خشية  مساعد أمين عام الأمم  المتحدة Brian Urquhart  المسبقة من أن يصبح "جنوب لبنان كابوساً لقوات حفظ السلام"، وحتى "مستنقعاً" بنظر الجنرال Emmanuel Erskine  قائدها الأول. (المرجع مجلة الجنوب ).

 

ولئن تأصّلت هذه العلاقة مع الأهل ورؤساء البلديات والمخاتير من خلال التعاطي المباشر ومساعدة اليونيفيل المجتمعات المحلية وتمويل وتنفيذ مشاريع تنموية وحرفية وتوفيرالخدمات الصحية والإجتماعية المختلفة لمصلحتها، إلا أن العلاقة عانت من حمّى الشارع دون أن يصيبها لا سمح الله الشلل، بسبب تشدّد مجلس الأمن الدولي في تفسير حرية الحركة بما يضمن اضطلاع اليونيفيل بعملياتها "بصورة مستقلة" وفقاً للفقرة  العاملة 15 من القرار 2695 تاريخ 31 آب 2023 ، ومن جهة أخرى بسبب القيود التي تضعها الجماعات الشابة على حريّة تحرّك اليونيفيل لتمسّكها بحرمة الملكية الخاصة وربط تنقّل القوة بمواكبة الجيش اللبناني إضافة إلى التنسيق معه.

 

وأخشى بأن يكون الخاسر الكبير هو لبنان لتصاعد حدّة النبرة والمواجهة مع اليونيفيل التي تتّخذ طابع   "الأعمال العدوانية" حسب توصيف الامين العام في تقريره الأخير والآنف الذكر  ، فيما اليونيفيل في إطار الشراكة الأساسية مع الجيش اللبناني هي ذراعه الميداني لمساعدته في مهامه تنفيذاً لإلتزامات الدولة اللبنانية في إعلان وقف الاعمال العدائية تاريخ 26 تشرين الثاني 2024.

 

رابعاً- أوراق اعتمادها، أوراق نعواتها.

وللتذكير، إن "أوراق اعتماد" اليونيفيل لدى الشعب اللبناني هي أوراق نعواتها وبلوغ عدد ضحاياها 326 جندياً منذ قدومها وحتى تاريخه، وكذلك تعمّد إسرائيل قصف مواقعها واستهداف عناصرها وتدمير عتادها، ومنها مجزرة قانا عام  1996والحرب الأخيرة في جنوب لبنان.

 

لذلك فالوقوف مع اليونيفيل "ظالمة أو مظلومة" كما قال الرئيس نبيه بري يبلسم جراحاً وإنما قد لا يحلّ وحده مشكلة، ما لم تلتقط الدولة زمام الأمور في سياق "البيئة الجديدة" التي تحدّث عنها الأمين العام غوتيريش للعمل على وقف هذا السلوك التصعيدي وفضّ الرسائل المشفّرة ومعالجة أسبابها  وأضرارها، وإن كنت أعي تعب النفوس بعد الإشتباك اللبناني - الإسرائيلي في حرب الإسناد.

 

خامساً – صفعة الدول وصفعة الحبيب.

تعدّدت الأبحاث عن مفهوم الصفعة واعتبارها "ضرباً من الكبائر" ووسيلة خسيسة للإهانة والإذلال، مشحونة بالإنفعال النفسي خاصة وأن وجه الإنسان هو واجهة الجسد والوجهة لتكشّف حنايا القلب والمشاعر.

 

ويتلازم الوجه مع الكرامة وصفاء النفس لاسيما عند الشعوب الأصيلة التي ترى في تصوير الوجه سرقة الروح، فكيف بالصفعة! (9 حزيران 2021 – Le Temps, Veronique Pagano) إنها تمسّ الجسد وتشرّع الباب أمام الكثير من الإجتهادات وهي سلبية وإن حاول بعض المعنيين التخفيف من وقعها. فالصفعة الزوجية خصوصية وسمجة وإن اجتهد الرئيس ماكرون للتخفيف من أثرها بوصفها "مزحة" أو "مشاجرة أحبّة" مع زوجته. ولكن صفعة الجندي الأممي، خلال الخدمة، لا تقتصر برأيي على الإهانة "وتنفيس الإحتقان" بل هي لطمة للدولة التي أوفدته، بل ل48 دولة مساهمة بأفراد عسكريين في اليونيفل. وإذا كان الاعتراف  reconnaissance في القانون الدولي هو إعلان دولة بأن كياناً ثالثاً محدّداً يستوفي شروط حيازة الشخصية المعنوية والقانونية الكاملة  في النظام الدولي، فبإيفاد قوات حفظ السلام إلى بلدٍ ما، تجسّد تلك الدول اعترافها بالدولة المضيفة وحرصها على استقلالها وسيادتها وسلامة أراضيها، فيما تلتزم الأخيرة باحترام سلامة وأمن العناصر المنتشرة.  هكذا أقرأ مدلولات وجود اليونيفيل في جنوب لبنان. 

 

وإحدى نتائج هذا الإعتراف الميداني هي برأيي تجاه إسرائيل بتأكيد الدول المساهمة  "منع استعمال القوّة أو استخدامها ضدّ سلامة الأراضي  أو الإستقلال السياسي لأية دولة" عملاً بالمادة 2  فقرة 4  من ميثاق الامم المتحدة، وكذلك التشديد على القاعدة  القانونية والإجتهاد الدولي اللذين " يحظّران الإعتراف بقانونية اكتساب الأراضي عن طريق التهديد   او استعمال القوةDroit International Public, Pierre Marie Dupuy No 43- 47 ).

 

أخلص إلى أن اليونيفيل حاجة ماسة للبنان، جيشاً ومجتمعات مدنية، من خلال مساعدتها العسكرية الميدانية ومشاريعها الإنسانية والحرفية والتنموية (وآخرها في البيان  تاريخ 2 حزيران 2025) فيما تفاقم الحوادث والهجمات يعني المجازفة بمستقبل تلك القوة في لبنان.

 

وحيث أن الولايات المتحدة قادرة على استخدام حق النقض، فإن الرهان على الدور الفرنسي وحده لا يضمن تمديد ولاية اليونيفيل دون المساس بوكالتها. عناصر نجاح طلب التمديد الرسمي تكمن برأيي في الداخل لاسيما بدعم الجيش قولاً وفعلاً والتسليم بحصرية السلاح بيده ومؤازرة الشعب اللبناني له ومساعدة اليونيفيل في تنفيذ الإلتزامات اللبنانية المبيّنة في ترتيبات وقف الأعمال العدائية.  فالوفاء بالتعهدات يمهّد لمداولات تمديد مطمئنة.

 

ختاماً، لفتني في الجريدة الفرنسية الأسبوعية LJD تاريخ  16 حزيران 2024  قول رئيس سابق للجمهورية الفرنسية : "لا تقتصر السلطة على المفهوم، فالسلطة تتجسّد. فرنسا اليوم تحتاج الى سلطة... وعندما لا تُحكم بيد قوية، يمكن أن تؤول الى الأسوأ".

"القبعات الزرق"أمر جيد، والأهم محافظة السلطة اللبنانية على رأس لبنان.

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق