نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
حصيلة ثلاث رحلات بين 2005 و2017... "اكتشاف إيران" بعيون كاتبة إسبانية - تكنو بلس, اليوم الاثنين 23 يونيو 2025 08:34 صباحاً
تأخذنا الروائية وكاتبة أدب الرحلات الإسبانية باتريثيا ألمارثيغي إلى إيران التي زارتها ثلاث مرات في 2005 و2014 و2017، فتقدم صورة لهذا البلد تربط ماضيه التليد بحاضره المأزوم، ما يتيح للقارئ إمكان تصوّر دوافع الحرب التي تشنّها إسرائيل حالياً ضده بتأييد أميركي. حصيلة الرحلات الثلاث جمعتها ألمارثيغي في كتاب عنوانه "اكتشاف إيران"، صدرت طبعته الأولى عام 2018، وترجمته من الإسبانية إلى العربية آية عبد الرحمن أحمد، لحساب "دار العربي" القاهرية (2023).
في رحلتها الأولى التي امتدت لنحو شهرين، لاحظت ألمارثيغي حبّ الإيرانيين للشعر، وأن صناعة السينما القوية في هذا البلد، تنبع أصولها من حب شعبه للصور، بحسب خبير السينما والناقد الأدبي الإيراني حميد دباشي، الذي رأى أيضاً أن السينما الإيرانية عاشت قلباً وقالباً مع هموم هؤلاء السكان؛ حتى إنها تمكَّنت من تفادي سياسات الرقابة التي فرضتها الحكومات بإيعاز من رجال الدين. ونقلت الكاتبة عن دباشي أيضاً أن الإيرانيين من الأرمن كانوا هم العامل الأساسي في صمود السينما الإيرانية التي شاركت بدءاً من الثورة الدستورية عام 1906 حتى عام 1911 في توثيق أحداث البلد، ورافقت الشعب في مروره إلى الحداثة. وبحسب دباشي فإنه بعد الانقلاب العسكري الذي دعمته الاستخبارات الأميركية في عام 1953لضمان السيطرة على حقول النفط، ظهرت السينما كمركز ثقافي رئيس لالتقاط "صدمة الأمة المخدوعة" وتسجيلها.

غلاف الترجمة العربية. (دار العربي - القاهرة)
تتبَّعت ألمارثيغي في رحلاتها الثلاث إلى إيران خطى الإنكليزية ماري مونتاغو، والسويسرية آن ماري شفارزنباخ. وألمارثيغي، المقيمة في برشلونة، سبق لها العمل عام 1969 أستاذة للأدب المقارن في جامعة سرقسطة، ونشرت كتابها الأول "الرسام والمسافر" عام 2011، وفي عام 2016 صدر كتابها الثاني "مسافرة عبر آسيا الوسطى"، وتبعه كتاب "اكتشاف اليابان"، ولها عدد من الروايات، منها رواية بعنوان "ذكريات الجسد"، ورواية عنوانها "حذاء راقصة الباليه".
طموح إيران
لاحظت ألمارثيغي، التي سبق لها السفر إلى عدد من الدول العربية، أنه في ضوء أن أكثر من 60 في المئة من الإيرانيين هم في عمر الشباب، فإن إيران تتبع سياسة تشجيع الإنجاب بهدف الوصول بعدد سكانها إلى 150مليون نسمة بحلول عام 2060، لتحفيز الاستهلاك المحلي، وللتغلب على الحصار الاقتصادي المفروض عليها من الغرب. ورأت ألمارثيغي أن هؤلاء الشباب سيشكلون متن الطبقة الوسطى الجديدة في غضون سنوات ومن ثم سيقع على عاتقهم عبء إعادة تنظيم الهيكل الاجتماعي في بلدهم. وتوقفت عند أن القانون الجنائي في إيران يناهض المثلية الجنسية، ومع ذلك تُموّل عمليات تغيير الجنس من الحكومة، وتزداد حالات المساكنة، على رغم أنها محظورة رسمياً. فعلى رغم إباحة الزواج الموقت (زواج المتعة) فإن الصعوبات والمفاوضات الطويلة حيال تحديد مؤخر الصداق تسببت بانخفاض معدلات الزواج. وترى المؤلفة أن نفوذ مجلس صيانة الدستور هو من أهم عوامل تعثر التوصّل إلى اتفاق معترف به دولياً بخصوص البرنامج النووي الإيراني. فكلما ظهرت بوادر انفتاح تظهر ردود فعل متطرفة من جانب المحافظين في مواجهة الإصلاحيين، هي بمثابة صورة ونتيجة للصراع بين القوتين داخل مجلس الحرس الثوري، مع أن تفاقم المشاكل الاقتصادية وتنامي استخدام التكنولوجيا الحديثة في الاتصالات، جعل ضمان صمت الشباب عن تردّي أوضاع البلد، مستحيلاً. ولاحظت ألمارثيغي أن طموح إيران نحو "زعامة الشرق"، يعوقه كونها دولةً مضطربة، داخلياً، فضلاً عن النظر إليها باعتبارها "تمثل تهديداً عالمياً يجب الحد منه"، بحسب قناعة دونالد ترامب، المعلنة منذ 2015.

باتريثيا مع مترجم روايتها “حذاء راقصة الباليه“.
مساحات خاصة
وخلال زيارتها مدينة شيراز لاحظت ألمارثيغي أن هناك بضعة ملايين من الأفغان جاؤوا في البداية للعمل في زراعة القمح باعتبارهم عمالةً رخيصة، ولكن بسبب الوضع الاقتصادي الحرج للبلاد لم يجدوا عملاً مشروعاً، "ومن ثم عملوا في تهريب المخدرات وتوزيعها" (ص 52). وعلى رغم أن عدد النساء المسجلات للالتحاق بالجامعة في هذا البلد هو الأكبر في العالم، فإن تحقيق ذلك لا يزال صعباً. والأصعب هو أن تجلس امرأة وحدها في حديقة عامة، أو أن تذهب إلى الاستاد لمشاهدة مباراة كرة قدم، كما جسّده جعفر بناهي (الحاصل أخيراً على السعفة الذهبية من مهرجان كان) في فيلمه "تسلل" (Offside) وتقول ألمارثيغي إن المرعب هو أنه لا توجد قوانين تمنع ذلك، بل هي مجرد قواعد شفوية واتفاقات ضمنية وأعراف، ما يجعل المرأة تضعها في اعتبارها من دون توجيه من أحد، حتى تتجنب تحرّش الرجال بها. ومن هنا – تضيف ألمارثيغي – اكتسبت المساحات الخاصة خصائص الأماكن العامة في إيران، ففي المنازل تستطيع النساء فعل ما لم يستطعن فعله في الشوارع والأماكن العامة، أي تتحوّل أوقات الترفيه من الشوارع إلى الصالونات الكبيرة وسط الأصدقاء والعائلة. وهذا ما اكتشفته الإنكليزية الليدي ماري وورتلي مونتاغو خلال زيارتها تركيا عام 1716، فاتهمت كتّاب رحلات الشرق، بأنهم كتبوا عن نساء لم يُسمح لهم برؤيتهن أصلاً في مساحاتهن الخاصة. بالطبع لأن ألمارثيغي امرأة كان من السهل عليها الاختلاط بنساء إيرانيات في مثل تلك المساحات، وهو ما تحقَّق من قبل لمونتاغو في رحلتها لتركيا، ولشفارزنباخ في رحلتها لإيران الموثَّقة في كتاب "الوادي السعيد".

المخرج جعفر بناهي. (أ ف ب)
معالم شهيرة
زارت ألمارثيغي معالم شهيرة في عدد من المدن الإيرانية، ومنها مدينة بام التي دمَّرها زلزال عام 2003، وكانت يوماً مركزاً لطريق الحرير، ومعبد "القبة الجبلية" الذي يبعد عن مدينة كِرمان بنحو خمسة كيلومترات، ويعود تاريخ إنشائه إلى القرن الثاني الميلادي تقريباً، وكان مكرّساً للعبادة الزرادشتية. كذلك زارت مدينة يزد، وكانت قديماً المحطة الأخيرة للقوافل قبل دخول الصحراء وأول واحة آمنة يجدها المسافرون على الحافة الغربية للصحراء في طريق عودتهم من الهند والصين عبر طريق الحرير. وتقول إنها حرصت على زيارة واجهة "أمير جقماق" في كرمان مرتين، وهو واحد من أشهر معالم إيران، في الصباح وفي المساء، "لأرى تأثير تغيير الضوء في الهندسة المعمارية" (ص 83). وغرض تشييد تلك الواجهة هو أن تكون بمثابة نصب تذكاري لإحياء ذكرى الإمام الحسين. أما معبد زرادشت في يزد، فهو أحد المعابد الزرادشتية القليلة في البلاد، ويُعرف باسم "أتاش بهرام" وبُني عام 1934. وفي أصفهان تجب مشاهدة غروب الشمس من الماء، ماء نهر زاينده، وزيارة قصر "جهل ستون"، المعروف أيضاً باسم "قصر الأربعين عموداً"، وكان مخصّصاً لاستقبال الشخصيات المهمّة والسفراء من مختلف أنحاء العالم. وفي حيّ جلفا يعيش أرمن أصفهان منذ القرن السابع عشر، ومن معالمه كاتدرائية "وانك" والمتحف الأرمني. ومن معالم مدينة مشهد الواقعة على بعد 850 كيلومترا شرقي طهران، وعلى بعد 220 كيلومتراً من تركمانستان، ساحة "الإمام علي الرضا"، التي تمتد طولاً وعرضاً، "كأنها مدينة كبيرة"، وتتألف من مجموعة من الأماكن المقدسة التي تعود إلى عام 818م، وتتسع لنحو 700 ألف شخص.

باتريثيا خلال زيارتها لمعرض القاهرة للكتاب 2025.
زارت ألمارثيغي في رحلتها الثانية جزيرة هرمز، "جنة الهندسة، جزيرة السبعة آلاف لون، قمم ملحية ورمال حمراء، كل شيء هنا غريب" (ص 161).
في خلاصة الرحلة الثالثة، وجدت الكاتبة الإسبانية نفسها على قناعة بأن "الثورة الإسلامية لم تفكك إيران، بل إنها أضافت إليها إذ جعلتها واحدة من أكثر الدول تقدماً"، و"إن كان انتخاب محمود أحمدي نجاد في عام 2005، وتظاهر الإيرانيين ضد إعادة انتخابه في عام 2009 مفاجأة، فإن ذلك فتح الباب أمام إمكان التغيير في دائرة أعلى المناصب في إيران بإرادة الشعب" (ص 173).
0 تعليق