بول أوستر بين المغامرة والتعلّق بالعزلة - تكنو بلس

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
بول أوستر بين المغامرة والتعلّق بالعزلة - تكنو بلس, اليوم السبت 21 يونيو 2025 11:42 صباحاً

ليس من السهل وضع تجربة الروائي الأميركي بول أوستر تحت عنوان واحد، وهي ميزة للروائي عموماً، أن يكون رحّالة متنقلاً بين موضوعة وأخرى وتجربة وأخرى، ولعلّ اهتمام أوستر بتشكيل الحدث والمكان على حساب الشخصيّة وأحوالها جعله يتنقّل بسلاسة بين لون روائي وآخر... أمّا إذا أردنا التخصيص وجعل تجربة أوستر تتموضع تحت عنوان مبدئي، فعلينا التطرّق لإلى روايتيه "مستر فيرتيغو" الصادرة بطبعتها العربيّة عن "دار الساقي" عام 2024 و"رحلات في حجرة الكتابة" الصادرة عام 2017 بطبعتها العربيّة عن "دار المتوسط"، حيث تجتمع المغامرة والتعلّق بالعزلة، الحركة والثبات، الاسترجاع والتكهّن، الحكي والتصوير.

المغامرة والاسترجاع والروحانيّة من باب ثقافيّ
في روايته "مستر فيرتيغو" يربط بول أوستر حكاية وولت اليتيم الذي صحبه معلّمه إلى رحلة مليئة بالعواقب والمطبّات والشقاء من دون أن يكون الطرح واضحاً من المعلّم، الشخصيّة الصارمة المعتزّة بإدراكها مسار الأمور. إندفاع وولت وتروّي المعلّم كانا أوّل خيط في مغامرة كلّلها بول أوستر برسم الأحداث والحركة وربطها بالشخصيات، فعلى سبيل المثال شخصيّة وولت المتّسمة بالفضول والانفعال والتسرّع والشغف والحلم، ترك أوستر القارىء يستنبطها من خلال السرد ورسم المغامرة والتحديات التي فرضها المعلّم بقسوة على تلميذه الذي يختزن الكثير من الطاقات، والأمر نفسه ينسحب على المعلّم الذي كان يمتلك السلطة ويوزّع المهمات على أشخاص يستحقّون الراحة والنعيم والألم، وسط الشقاء الذي يعيشونه في العالم الراهن.

 

رواية “مستر فيرتيغو“. (دار الساقي)

رواية “مستر فيرتيغو“. (دار الساقي)

 

ساعدت الحقبة الزمنيّة التي وضعها أوستر في عمق نصّه وهي عشرينيات القرن  الماضي، أي العودة إلى الكلاسيكيّة وإلى زمن الحرب العالميّة الأولى وما بعدها، وعلى رغم ما يحمله الزمن هذا من دلالات إنسانيّة وثقافيّة وسياسيّة، انزاح صاحب رواية " مستر فيرتيغو " سرديّاً عن هذا المشاهد وحاول اختراع عالمه الخاصّ المحفوف بالحركة والغموض والتساؤل عن غاية المعلم من فرض الشقاء بجرعات كبرى على أشخاص مقبلين من عالم متعب، ليكون القارئ تحت تساؤل واحد: هل هو مغامرة من باب ثقافيّ غايته إبرام عقد اجتماعيّ خاص؟ هل هو تصوير للواقع المعاش بصيغة فنتازيّة تفصيليّة؟

يبقي بول أوستر بينه وبين المتلقّي في "مستر فيرتيغو" مسافة، أوّلاً من خلال التحليل الذي يوكله إلى القارئ ومن خلال نسج المشهد على حساب الشخصيّة وتحوّلاتها وفقاً للمكان والزمان.

نسج العزلة وفلسفة الذاكرة
يعطي بول أوستر في عمله "رحلات في حجرة الكتابة" الذاكرة الأولويّة القصوى  لبناء النّص موضوعاتيّاً وحكائيّاً، وهو ما قد يجعل نصّه مرهقاً مثل "رجل في الظلام" و"اختراع العزلة" حيث تتّخذ الشخصيّات حالة من العجز ما يؤهلها لتصبّح في رتبة" القاصّ".

اعتماد أوستر على شخصيّة "السيّد بلانك" الذي يحاول لملمة واقعه والبحث عن نفسه من خلال الحجرة والماضي  وكلاهما يشكّل صيغة لمكان وزمان مغلقيْن يجلعان النّص أقرب إلى العبث جعل المتلقّي أمام ناريْن: نار الاكتفاء بالاستمتاع بالتفاصيل والمحاولات التي تعتمدها الشخصيّة الأساس لنسج حوار داخليّ هادئ مع نفسها ومع الآخرين، ونار الدخول في نص يعدّ نسخة محدّثة من نصوص سابقة وردتْ بالعربيّة مثل "رجل في الظلام" و"اختراع العزلة".

 

“رحلات في حجرة الكتابة“. (دار المتوسط)

“رحلات في حجرة الكتابة“. (دار المتوسط)

 

لم تكن العزلة سوى موضوعة حاول من خلالها بول أوستر أن يجمع بين تقاعده الإنسانيّ ومواجهته بجرعات زمنيّة أكبر مع الرواية والكتابة عموماً...لتشكّل "رحلات في حجرة الكتابة" جزءاً من مشروع تعامل أوستر مع الذاكرة ومع الشيخوخة والعجز.
انشغال أوستر بالذاكرة واشتغاله في حقلها انعكسا على القارئ بطريقتين: الأولى أفقد القراءة وظيفتها وغايتها الشائعتين وهما المتعة والتذوّق وجعلها تتجّه نحو الغاية التقنيّة البنيويّة حيث ينشغل الكاتب في إظهار قدرته على بناء النّص وهيكلته من خلال جملة من التقنيات، وذلك بالاعتماد على موضوعة مألوفة كالشيخوخة والعجز والعطب التي تمّ تناولها في غير حقلٍ فنّي وأدبيّ.

لا يمكن اختصار تجربة بول أوستر بهذين العنوانين، لكن العزلة والتعلّق بها من جهة والمغامرة والحركة من جهة ثانية، أعطت تجربته شكلًا مثيراً يجعل القارئ يختار إمّا أن يكون مغامراً محاوراً لانشغال الكاتب بالنص وتقنياته أو بتحليل ما لم يذكره الكاتب من خلال الأحداث والحركة.

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق