تُرجمت أعماله إلى الإنكليزية واليابانية والفارسية... زهران القاسمي كاتب يسير بمحاذاة الصّمت - تكنو بلس

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
تُرجمت أعماله إلى الإنكليزية واليابانية والفارسية... زهران القاسمي كاتب يسير بمحاذاة الصّمت - تكنو بلس, اليوم الأربعاء 18 يونيو 2025 10:53 صباحاً

حاورته عزة سلطان

في حضرة الجبل، لا يُقال الكثير. يكفي أن تنصت، بهذا الإيقاع الهادئ والعميق يكتب زهران القاسمي. ليس لأنه لا يجيد الصخب، بل لأنه يعرف أن ما يصمد في الذاكرة لا يأتي صارخاً، بل متسللاً، كما تفعل المياه في الفلج، أو كما يحط النحل على وردة نائية، وربما كما يتسلل الخوف ويعشش في النفوس.

من "تغريبة القافر" التي أوصلته إلى جائزة البوكر العربية، إلى "جوع العسل" و"جبل الشوع" و"سيرة الحجر" و"القناص"، وصولاً إلى "الروع" تَحوّلت أعمال القاسمي إلى خرائط للروح في علاقتها بالطبيعة، والذاكرة، والخوف، والمصير. أما صوته الشعري، فظل نابعاً من أرض لا تزل تصغي إلى ما لم يُكتب.

وأخيراً، انتقل هذا الصوت إلى لغات أخرى: اليابانية والإنكليزية والفارسية، وفى الأفق ألسنة أخرى. 
في مفتتح عام 2025 أُصدرت الترجمة الإنكليزية لرواية "جوع العسل" عن الجامعة الأميركية في القاهرة، واختتم شهر أيار/مايو 2025 أيامه بتوقيع الترجمة اليابانية لـ"تغريبة القافر" في طوكيو وأوساكا، لنجد أنه لم يكن مجرد لحظة احتفاء، بل اختباراً جديداً للنص خارج لغته الأولى، وخارج جغرافيته.
في هذا الحوار، لا نعيد تقديم زهران القاسمي كما عرّفته الجوائز، بل كما تقترحه نصوصه: كاتب يسير بمحاذاة الصمت، ويعرف أن الكلمة يمكن أن تكون شجرة أو ظلاً أو مرآة.

من الجبال والأودية والأفلاج... تتنفس أعمالك السردية، تنمو من تربة عُمان، فهل تكتب المكان أم يستدرجك المكان للكتابة عنه؟
- عشت في قرية عمانية حيث اختزنت ذاكرتي الكثير من الصور والمسميات والحكايات، وكانت رافداً لي بعد ذلك في كتابة أعمالي الأدبية، وأعتقد أنها طريقتي في الكتابة، ربما بدأت بالكتابة اللاواعية وانعكس ذلك في كتابة الشعر، إذ هناك ملامح للمكان في بعض المقاطع الشعرية كالأودية والقمم والأشجار والوعول، أو دخول بعض الشخوص من التراث الحكائي أيضاً كالمغايبة والجنيات وغيرها، تطور ذلك مع الزمن ليكون أسلوب كتابة واعية نتجت منه في الكتابة السردية قصص "سيرة الحجر" التي ارتكزت على المخزون الحكائي المتعلق بالمكان وتتبعت كل ما يخص المكان وتفاصيله، وبعد ذلك في ما نتج من روايات خمس كان المكان حاضراً بشدة، لأنني وجدت في هذه البقعة المكانية طريقة للكتابة متفردة ولم يقترب منها أحد. أحببت أن أشتغل فيها بعيداً عن التجارب الأخرى، كنت في البداية أجرب كل ما احتوته الذاكرة، كما في "جبل الشوع" و"القناص"، ولكن منذ بدأت كتابة "جوع العسل" انتقل المكان كلاعب أساسي يؤثر ويتأثر بشخوص العمل وبالظروف، أعتقد جازماً أنني تأثرت بالمكان أولاً، لذلك كانت ملامحه واضحة في كتابتي عندما بدأتها، ثم جاءت لحظة الوعي الكتابي لكي أكتب هذا المكان كما أتصوره أيضاً وأحاول نقله عبر هذه الكتابة.

 

زهران مع الترجمة الإنكليزية لـ“جوع العسل“.

 

تعج روايتك "الروع" بالطقوس أو التعاويذ الشعبية... إلى أي مدى يمكن للكاتب أن يمزج التراث والثقافة بالنص، وكيف رأيت تلك الطقوس في بنية السرد داخل الرواية؟
- عندما نعود إلى ثقافتنا الشعبية نجدها مليئة جداً بالحكايات والمعتقدات والطقوس التي نمارسها ممارسة يومية واعتيادية، وكأنها من المسلّمات التي لا يمكن وصفها بالأساطير، ولكن عندما نعكس هذه الممارسات في الكتابة تظهر غريبة، فمثلاً في كل بيوت القرية، وكعادة، يبخرون المكان وقت الغروب باللبان، الهدف منه في المخيلة الشعبية هو إكرام سكان المكان من الجن، وإرضاؤهم حتى لا يضروا أهل البيت، تحول ذلك مع الزمن إلى عادة واعية أو لا واعية مع الناس وما زال الكثير منهم يقومون بالفعل ذاته.
إن التطرق إلى الثقافة الشعبية للمجتمع يخدم كثيراً العمل ليبدو واقعياً أيضاً. إن معرفتنا بممارساته ومعتقداته وأساطيره، خصوصاً المتعلقة بالموضوع المطروح كما في "الروع"، ستجعل العمل الكتابي متسقاً مع مدخلاته، فالرواية تتحدث عن الخوف والوهم، وهي تحتاج أيضاً إلى تعزيز كبير في كل ما يتعلق بهاتين المفردتين من ممارسات في المجتمع المكتوب عنه.

الماء حاضر في شعرك كما في سردك... هل هو رمز خلاص أم وسيلة للمحو؟
- هو أداة للاغتسال من كل ما يواجهني في هذه الحياة، ربما لأنني عشت على ضفة أحد الأودية، كانت مهمة ماء الوادي الكبيرة هي الاغتسال من أدران الحر والعوالق، كانت الفرش والأواني وكل أشياء البيت تُغسل في ذلك الماء وتوضع لتنشّف في الشمس الساطعة، كان المطر ولا يزال يمر ليغسل الشجر والجبال من ركام الأتربة، ولأن الثقافة الدينية لها دور كبير في جعل الماء مهماً في الطهارة، كنت أتطهر به في الشعر وأشعر بلطافته.
أتذكر أن سدهارتا في رواية هرمان هسه قضى جزءاً كبيراً من حياته وهو يتأمل النهر.

إلى أي مدى لا تزال القصيدة بالنسبة إليك مساحة للاعتراف لا تسمح بها الرواية؟
- أخشى أن أقول إن الشعر يجذبني كثيراً في الفترة الأخيرة بعيداً عن السرد، على عكس ما يتصور الآخرون بأنني تركته، الشعر له خصوصيته بالنسبة إلي، هناك مناطق في الكتابة لا يمكن قولها إلا به، هو أقرب إلى روح الشاعر، إلى فلسفته في الحياة، إلى ذلك الإنسان المليء بالمتناقضات، إلى الحزن والفرح والغضب وكل حالة من حالات الإنسان، لذلك لا يمكن أن أجد هذه الحالة الخاصة إلا فيه، وعلى رغم هذا الضجيج الذي أحدثته الرواية، ما زلت أعود إلى الشعر وأكتبه وأستعين به على مواجهة كل هذا الضجيج وطرده بعيداً.

 

زهران القاسمي مع القراء اليابانيين.

زهران القاسمي مع القراء اليابانيين.

 

ما الذي يمنحك إياه الشعر ولا تقدر عليه الرواية؟
- أنا مسكون بغنائية طويلة وحزينة جداً، هذا ما أشعره، وهذا ما يمنحني إياه الشعر أيضاً، أحتاج إلى تلك الغنائية لأعرف أنني مجرد طيف عابر على الزمان والمكان لا أثر له.

في أعمالك، يبدو أن الطبيعة تُنصت أكثر مما تتكلم، وأن الإنسان لا يهمّه أن يُجيب بل أن يسمع... ما الذي علمتك إيّاه "النجاة في الصمت"؟
- في هذا العالم المليء بالأصوات والصراخ، هذا العالم المتسارع الذي لا وقت لأحد ليقف وينصت إلى ما حوله، حتى في الأماكن الأشد إزعاجاً، أجد أن الإنصات إلى الطبيعة هو نوع من التلقي، هناك أصوات خافتة لا يمكن سماعها، تحتاج إلى الإنصات، تلك الأصوات تشكل في المقابل أغنية عظيمة وغنية ومتسقة تتداخل فيها أصوات الكائنات.
الصمت لا يعني السكون ولا السكوت، الصمت حالة اكتشاف لما هو موجود في الهامش، في أشد البقاع هدوءاً، أو حتى في الأماكن الضاجة نجد أن هناك مناطق صامتة تحتوي على مادة للحياة.

كل رواية عندك تبدأ كما لو أن الأرض تنشق عن نبوءة... هل تبدأ الكتابة وأنت تعرف النهاية، أم تكتب لتصل إلى سؤال جديد؟
- لست ممن يعمل سيناريوات لكتابته أو مخططاً، أترك الكتابة تمشي مع الوقت حتى تصل إلى نهايتها، ولا أتوقع هذه النهاية، وحتى في الوقت الذي أضع نهاية ما في مخيلتي أجدني في معظم الوقت غير ملزم بها، يعجبني أن تكون هناك نهاية غير متوقعة بالنسبة إلي، وأعتقد أنني حتى الآن لم أكتب نهاية توقعتها.

 

زهران القاسمي فى مكتبة يابانية تعرض ترجمة رواية “تغريبة القافر“.

زهران القاسمي فى مكتبة يابانية تعرض ترجمة رواية “تغريبة القافر“.

 

المتابع لأعمالك يلحظ أنك تكتب من الذاكرة الشعبية، لكن ما تكتبه يبدو كأنه من الذاكرة الجينية... هل تحمل ذاكرتك مَن سبقوك؟
- كل إنسان منا يحمل ذاكرة جينية عظيمة، نحن لم ننزل من السماء فجأة أثناء ولادتنا، نحن نحمل تلك الذاكرة الكبيرة لملايين من السنين، اختلطت فيها الذاكرة الحيوانية بالإنسانية، تخرج في تصرفاتنا فجأة أشياء لا يمكن تفسيرها، واهتمامات غريبة، هي أقرب إلى تلك المناطق الكامنة في جيناتنا، وحتى عندما نعود إلى ذاكرتنا الشعبية التي نعتقد أنها مستحدثة وخالية من عوالق الماضي فهي في الحقيقة محورة فقط، لكن ماهيتها تعود بنا دائماً إلى تلك الأصول الأولى وإلى الإنسان الأول وإلى الأسئلة الأولى التي حاور بها الطبيعة والقوى الخارقة والنجوم، وإلى أحلامه وطموحاته وتخيلاته وحكاياته وأساطيره، في النهاية نحن ذلك المكون من خليط عجيب لا يمكن تحليله بدقة.

هل الترجمة مرآة نزيهة للنص أم أنها أحياناً تُجمّله أو تبتره؟
- ليست هناك مرآة نزيهة في ما يخص الترجمة، فالمترجم يعيد صوغ النص بلغته بحسب ما فهمه منه، وهذا له علاقة كبيرة بتمكنه من اللغة، ومن لغته الأم، أقصد اللغة الأدبية، ومن إعادة الصوغ، لذلك نجد أنه تشدنا كتابة عن كتابة ونقرأ وكأن هذه لغة الكاتب الأصلية ولكنها في الحقيقة هي كتابة المترجم، نؤخذ بها ونحبها أو العكس تماماً.

كيف عشت لحظة رؤية روايتك "تغريبة القافر" بين يدي قراء يتحدثون اليابانية؟ هل بدا لك ذلك وكأنك تعود إلى نصٍ لم تكتبه؟
- حاولت أن أفهم قدر الإمكان كيف يتصور القارئ هذا العمل بعيداً عن بيته، والغريب أن كثيراً من القراء الذين ناقشوني في بعض جزئيات الرواية اكتشفوا ما تحدثت به سابقاً، أنهم يحاولون ترجمة الرواية من خلال ثقافتهم، فالماء حاضر بقوة والأساطير والأفكار والرسائل حاضرة كما في الرواية أيضاً في أذهان هؤلاء القراء، كنت مقتنعاً بذلك من خلال قراءتي الكثيرة للأعمال العالمية التي قرأتها مترجمة باللغة العربية، ولكني اقتنعت بذلك إذ رأيت واقعها على الترجمة الخاصة بروايتي.

في القاهرة، عقب صدور الترجمة الإنكليزية لـ"جوع العسل"، كيف كان الحوار مع القراء مختلفاً عن غيره من اللقاءات؟
- تحتوي رواية "جوع العسل" على تفاصيل كثيرة لها علاقة بالمكان وتفاصيل تخص النحل، وكنت أخاف أن يؤخذ على النص أن السردية فيه باردة وغير مشوقة، ولكن ردود فعل القراء الذين قرأوه بلغته الإنكليزية كانت رائعة، كانوا مأخوذين بتلك التفاصيل لدرجة أن بعضهم قال إنه يود أن يربي النحل بعد قراءته للرواية.

هل تساءلت ماذا يحدث حين تنتقل مفردة مثل "فلج" أو "عَرضة" أو "القافر" إلى لغة لا تملك مقابلاً لها؟ هل النص يربح أم يخسر؟
- هناك إمكانات لغوية في كل اللغات، وأتذكر أن الترجمة الإنكليزية لنص "جوع العسل" الذي اشتغلت عليه المترجمة في البحث عن مفردات قريبة جداً من هذه المفردات كانت موفقة، وأيضاً في اللغة اليابانية لـ"تغريبة القافر" جاهدت المترجمة في البحث عن مفردات قريبة من اللغة، وهذا يعتمد على تمكن المترجم وحساسيته واهتمامه.

تعكس أعمالك مخاوف عميقة، تجلت في الخوف من الجفاف أو الصمت أو الغياب، فهل توقّعت أن تُقرأ تلك المخاوف بهذه الحميمية من قرّاء لا يعرفون صحراءك ولا لغتك؟
- الإنسان هو الإنسان في كل بقعة من العالم، إن كان يعيش في صحراء أو في ناطحة سحب في أكثر الأماكن ازدحاماً في العالم، يحمل في داخله صمته وغيابه وخوفه وأحلامه ورؤاه وتطلعاته وأسئلته، لذلك لا يكون المكان سوى خلفية متغيرة جداً، ويجد القارئ شبهاً له في كل قراءة، وأيضاً يجد ما يختلف عنه، وهذا ما يطرحه الأدب أيضاً.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق