نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
تركيا تستثمر الفوضى الدولية: من "القلق الأوروبي" إلى "الفراغ الأميركي" - تكنو بلس, اليوم الثلاثاء 17 يونيو 2025 06:25 صباحاً
ففي ظلّ تراجع الآمال بانتهاء الحرب الروسية – الأوكرانية، وتزايد الشكوك الأوروبية في قدرة حلف شمال الأطلسي، أو حتى في رغبة الولايات المتحدة في مواصلة أداء دور الضامن الأمني، إلى جانب ملامح السياسة الخارجية الجديدة للرئيس الأميركي دونالد ترامب، تتقدّم أنقرة لتملأ الفراغ وتؤدي أدواراً أكثر تأثيراً في الملفات المتداخلة لهاتين المنطقتين الحيويتين.
أوروبا تستنجد بتركيا
دفعت المخاوف الأمنية المتصاعدة بروكسل إلى عقد محادثات مستعجلة مع المسؤولين الأتراك بشأن السياسة الأمنية والدفاعية المشتركة الأربعاء الماضي.
ومن خلال هذه المحادثات، التي تُستأنف بعد توقف دام نحو أربعة أعوام، تسعى أوروبا إلى إشراك تركيا في مبادراتها الدفاعية وخططها لمواجهة التحديات الأمنية، في إطار سعيها لتقليل اعتمادها الاستراتيجي على الولايات المتحدة، في ظل حالة عدم اليقين التي تحيط بتوجّهات إدارة ترامب.
وترى أنقرة في هذا الانفتاح الأوروبي فرصة مناسبة لتعزيز طموحاتها في المشاركة الفاعلة ضمن المنظومة الدفاعية للاتحاد الأوروبي، متجاوزةً العقبات التي كانت تعرقل ذلك، وأبرزها النزاع الطويل مع اليونان وقبرص.
ويعتقد محللون أتراك أن تصاعد التهديدات الأمنية قد يدفع الأوروبيين إلى تجاوز الخلافات السياسية مع أنقرة، سواء تلك المرتبطة بملفات إقليمية كالعلاقات مع جيرانها الأوروبيين، أو تلك المتعلقة بالشأن الداخلي، وعلى رأسها ملف حقوق الإنسان.
وتأمل تركيا تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية من هذا الانفتاح، من بينها الإعفاء من تأشيرات الدخول لمواطنيها إلى دول الاتحاد الأوروبي، ما يمثّل إنجازاً سياسياً للرئيس رجب طيب أردوغان، إلى جانب الطموح في الحصول على تمويل دفاعي أوروبي قد يسهم في تحريك عجلة الاقتصاد التركي المتعثّر.
وكان الاتحاد الأوروبي قد أقر، مدفوعاً بمخاوف من هجوم روسي محتمل، خطة لتعزيز الصناعات الدفاعية بقيمة 170 مليار دولار ضمن ما يُعرف بـ"مخطط SAFE"، مع تخصيص 65% من تمويله لشركات داخل الاتحاد أو المنطقة الاقتصادية الأوروبية أو أوكرانيا.
إلا أن رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس ربط انضمام تركيا إلى هذا الصندوق بتراجع أنقرة عن إعلانها السابق باعتبار توسيع اليونان لمياهها الإقليمية في بحر إيجه من 6 إلى 12 ميلاً "سبباً للحرب".
وردّ وزير الدفاع التركي يشار غولر بالتأكيد أن بلاده ستضغط على الحلفاء الأوروبيين لتعديل القيود المفروضة على توزيع الإنفاق الدفاعي، مؤكداً أن بلاده "لا يمكن تجاهلها" في أي منظومة أمنية إقليمية.
ويقول الجنرال التركي المتقاعد سعاد ديلغين، الذي شغل منصب ضابط ارتباط بين الجيش التركي وحلف "الناتو"، إن "الحاجة الأوروبية والأطلسية إلى تركيا تتزايد، ما يمنح أنقرة فرصة ذهبية للتفاوض على الملفات الخلافية".
ويضيف في حديثه إلى "النهار": "المخاوف الأوروبية والأطلسية من روسيا حقيقية وعميقة. على سبيل المثال، تنتج روسيا وحدها ذخائر حربية خلال 3 أشهر، تعادل ما تنتجه دول الناتو مجتمعة في عام كامل. هذا يُظهر حجم التحديات الآنية التي يواجهها الحلف".
رهان على تبدّل أولويات واشنطن
الأسبوع المقبل، يتوجّه الرئيس أردوغان إلى لاهاي لحضور قمة "الناتو"، حيث من المقرر أن يلتقي لأول مرة بترامب منذ عودة الأخير إلى البيت الأبيض، في لقاء تراهن عليه أنقرة لإحراز تقدم في مسار رفع العقوبات الأميركية.
وكان ترامب قد فرض، في نهاية ولايته الأولى، عقوبات على أنقرة بموجب قانون مكافحة أعداء أميركا "كاتسا"، ما أدّى إلى استبعادها من برنامج إنتاج وتوريد مقاتلات "إف-35" ضمن إطار "الناتو"، وذلك على خلفية شراء تركيا لمنظومة الدفاع الجوي الروسية "إس-400".
لكن إدارة ترامب الجديدة تبدو أكثر استعداداً للتعاون مع أنقرة في إطار إعادة رسم سياسة واشنطن في الشرق الأوسط. فالرئيس الأميركي ينظر إلى أردوغان كزعيم محوري قادر على أداء دور الوسيط والموازن في هذه المرحلة الانتقالية.
وفي ظل خطط واشنطن لتقليص حضورها العسكري في المنطقة والتركيز على التحديات في المحيطين الهادئ والأطلسي، تقدم تركيا نفسها كقوة إقليمية قادرة على حفظ الأمن والاستقرار، خاصة في سوريا، مستندةً إلى سجلها الطويل في التعاون مع الولايات المتحدة وحلفائها في ملفات معقدة مثل أفغانستان والصومال، إضافة إلى قدرتها على بناء تحالفات مرنة مع قوى إقليمية مؤثرة، في مقدمتها دول الخليج.
ويقول ديلغين إن "مشروع الناتو العربي لم يحظَ بترحيب في المنطقة بسبب الصورة السلبية للحلف لدى الشعوب العربية، ومع ذلك تبقى الحاجة قائمة إلى قوة عسكرية موحدة لمواجهة التحديات الأمنية في سوريا والعراق والبحر الأحمر وشمال أفريقيا".
ويضيف: "تركيا، بالتعاون مع دول الخليج، قادرة على ملء الفراغ الأمني، فهي ثاني أكبر قوة عسكرية في الناتو من حيث عدد الجنود، وتمتلك شراكات استراتيجية مع عدد من الدول الإقليمية، لكن عليها أن تبحث عن لغة ديبلوماسية أكثر هدوءاً مع إسرائيل".
ويختم ديلغين بالقول: "الرؤية الاقتصادية للرئيس ترامب تجاه المنطقة تتقاطع مع خطط التنمية الطموحة لدولها، لكنها تحتاج إلى بيئة أمنية مستقرة، وهو ما يمكن تحقيقه من خلال جهد جماعي ومرونة ديبلوماسية محسوبة".
0 تعليق