نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الروائي إبراهيم عبد المجيد لـ"النهار": حزين على الإسكندرية، وانقلاب 1952 أوقف صعود مصر - تكنو بلس, اليوم الأحد 15 يونيو 2025 04:15 مساءً
مع بلوغه عامه الثمانين، يتذكر الكاتب والروائي إبراهيم عبد المجيد الكثير والكثير عن موطن ميلاده، وسحر الإسكندرية، مدينة "الكوزموبوليتان" التي كانت، وولى جمالها وفتنتها، على رغم حضورها التاريخي والمكاني، عاصمة أولى لمصر في العصر البطلمي.
عبد المجيد الذي نال الكثير من الجوائز والتكريمات، آخرها جائزة النيل، وتحوّل الكثير من أعماله إلى دراما سينمائية وتلفزيونية، يتذكر هذه الأيام بداياته مع الكتابة منذ أكثر من ستة عقود، كان فيها مثالاً للجسارة والتفرّد في بناء عالمه، السردي/ الكتابي/ الجمالي، ما بين الإسكندرية والقاهرة والكثير من الرحلات إلى الغرب. كتب عبد المجيد أكثر من واحد وخمسين عملاً إبداعياً، ما بين القصة والرواية والمقال، والرؤى التفكيكية لنصوص شتى بالمئات. ترجمت أعماله إلى لغات عديدة، منها: الإنكليزية والفرنسية والإيطالية والروسية والصينية والكردية.
"النهار" حاورت صاحب "ثلاثية الإسكندرية"، و"العابرة"، و"بيت الياسمين" و"الصياد واليمام" و"المسافات" و"الصيف السابع والستين" وغيرها الكثير...
* بعد اللقاء الكبير في مكتبة الإسكندرية عن الإسكندرية بين الأمس واليوم، كيف ترى هذا اللقاء وأنت على أعتاب عامك الثمانين؟
- أنا لا أفكّر في العمر، ولا أتذكّره حتى عند المرض. أنا أتركه للّه دائماً. أدهشني حضور جميع المشاركين وهم من جامعات مصرية وعربية وأجنبية، من أميركا إلى أوروبا إلى الصين وغيرها، فضلاً عن كثافة الحاضرين من القراء. أدركت ما تنسيني أحياناً الأيام، وهو أن ما كتبته عن المدينة لا يضيع. كانت سعادتي عظيمة بالحضور والنقاش الذي امتدّ معي بعد الندوة في اليومين التاليين في الفندق أو أثناء العشاء في المطعم، الذي يحمل اسم "جنب البحر" أو " سي سايد" المجاور لمطعم النادي اليوناني، الذي يطلّ على الميناء الشرقي، وهو ما بقي مفتوحاً للبشر لتطلّ منه على البحر الذي أخفته الكباري والمطاعم والأسوار على طول الشاطئ. تأكّد لي في اللقاء أن الحنين إلى المدينة يظلّ أملاً ولا يضيع، وبه تعيش الأرواح الحزينة على المدينة الضائعة.
كتاب “آفة حارتنا بين الذاكرة والنسيان“ لعبد المجيد.
* وكيف ترى صدى الرحلة والمشوار، بعد احترافك الكتابة على مدار ستة عقود؟
- هذا ليس من عملي. أنا متعتي كانت وما زالت في الكتابة وبها أعيش. الأمر متروك للنقاد والقراء. أرى كثيراً من الكتب عن أعمالي آخرها الكتاب الرائع "سرديات ما وراء الكتابة" للدكتور أيمن تعيلب، وهو قراءة لكتابي "ما وراء الكتابة تجربتي في الإبداع" الذي أصدره في سلسلة الدراسات النقدية في دائرة الشارقة الثقافية. ومعه في معرض كتاب القاهرة في كانون الثاني/يناير الماضي صدر أيضاً كتاب للدكتور محمد ماهر بسيوني "المكان في الرواية العربية"، عن دار الحكمة في القاهرة، وأيضاً عن أعمالي كتب كثيرة ورسائل دكتوراه. أحب أن أضع أي كتاب جديد منها في جواري على السرير عند النوم لأيام استمدّ منه الأمل وأكتفي بذلك. أنا أعرف أن الزمن لن يتوقف عند أحد، وأن الكتّاب ملء السمع والبصر؛ لذلك تبقى متعة الكتابة هي الرافد الجميل للحياة، وبها تأتي الكتابة الجميلة التي تجذب القراء والنقاد لتؤكد ذلك. ينهكني المرض وهو يرهق جسدي لأنه يؤخر جلستي للكتابة.
* ما بين الإسكندرية والقاهرة، كيف ومتى وأين تسكن حواس الكاتب إبراهيم عبد المجيد؟
- حواسي تسكن في فضاء الوطن. كتبت وما زلت عن القاهرة بعد أن صارت سراباً كما الإسكندرية. صارت حلماً ضائعاً. ما رأيته فيها منذ استقراري فيها في منتصف السبعينيات ضاع أو تغير. حواسي مع الأحلام الضائعة التي جعلتني أعيش الحياة الضائعة كحقيقة ومن هنا يأتي الفن. فالخيال مهما استمدّ مفرداته من الواقع إذا نظرت بدقة ترى أن الواقع فيه خيال مضى في أفق الفضاء.

غلاف “قاهرة اليوم الضائع“.
* وماذا يتبقّى من إسكندريتك، في العيش وذكريات الطفولة والصبا؟ هل بالفعل أنت في حالة خصام وحزن مع ما آلت إليه الأحوال في مدينة المولد؟
- طبعا أنا في حالة حزن. مدينة كنت تمشي على أرضها فتشعر أن تحت قدميك تاريخاً للعالم، لا تستطيع أن تمشي بينها الآن وسط الزحام الذي يجعلك لا تشعر بما حولك، ولا بما تحت قدميك من تاريخ، فضلاً عن تغير العادات بعد الهجمة المتشددة التي جاءت منذ حكم السادات فضاعت سينما المدينة ومسارحها وملاهيها وغير ذلك، فضلاً عن الفساد الذي شوه شمالها وجنوبها وشرقها وغربها وجعلها عشوائيات في البناء. لكن أجمل هدية من الله هي الكتابة التي تجعلك تقيم المدينة من جديد وتعيش بينها.
* تتحدث كثيراً عن علاقتك بالزعيم جمال عبد الناصر، واستحضرت سيرته كثيراً في أغلب أعمالك، فكيف ترى الباقي من سيرة ناصر، بخاصة ونحن نحيا في هذا الواقع المؤلم الذي نسفت فيه معاني الاستقلال والعدل والمساواة؟
- لم يعد باقياً من عبد الناصر للأسف إلا فكرة الزعيم الأوحد، فلا بقاء لأفكار معارضة أو مخالفة للحكم والحكام. الفكرة التي جعلته يعتقل المئات من المفكرين والفنانين. وعندما فتح السادات باب الديموقراطية سرعان ما عاد إلى إغلاقه، وقال "الديموقراطية لها أنياب" وفتح سجونه أيضاً. هو الذي أطلق على نفسه تسمية الرئيس المؤمن فاختصر السلطة فيه بطريقة أخرى، وفتح الباب لبيع كل إنجازات عبد الناصر في التعليم والصحة والصناعة والزراعة وكل شيء . فكرة الزعيم الأوحد هي آفة أمتنا، بل آفة كل النظم الجمهورية التي جاءت بانقلابات على النظم الملكية منذ انقلاب حسني الزعيم فى سوريا عام 1949.

غلاف رواية “العابرة“.
* كيف ترى مستقبل الفكر والآداب والفنون في عصر الحروب بالإنابة وعبر الهوية والمعتقد والجغرافيا؟
- مهما حدث في العالم فستظل الفنون والآداب هي حارسته ولن تنتهي أبداً. هذه غريزة أودعها الله في البشر منذ بنوا المعابد ورسموا الآلهة القديمة وكتبوا القصص عن العدل والحب وغير ذلك. الفنون والآداب عابرة للحدود دائماً وهي وطن من ضاع وطنه.
* هل تفسر لنا، ماهية الخلود ومعناه، وتحديداً في ما يخص فعاليات وجدوى الكتابة والفنون؟
- كما قلت لك الخلود يحدده الزمن والقراء أو المشاهدون. لا يُعنى به عقلياً الكاتب أو الفنان، لكنه روحياً موصول به، فهو يشعر أنه يتجاوز بما يفعله ما استقرّت عليه الأشكال الأدبية والفنية، وأنه موصول بالإلهام، ويترك على ذلك لمسته ونبض روحه.
* عن ماهية الخلاص ومعناه ، هل ينتهى حلم الكاتب/ المفكر/ الفنان بالخلاص، مع الانتهاء من كتابة نصه أم أن هناك معنى آخر للخلاص يخص رؤيتك للعالم ودور الفنون في هذا الإطار؟
- الخلاص معنى لا ينتهي. ووفق ما قال غابرييل غارسيا ماركيز يوماً إن هناك عشرات الروايات يتمنى أن يكتبها لكن العمر لا يسمح. المهم أن يؤمن الكاتب بأنه ليس وحده في هذا العالم، وبأن الأجيال تتابع، فلا يدخل في معارك تافهة؛ فالخلاص الوحيد هو الجنة أو المدينة الفاضلة وهذه من صنع الله سبحانه وتعالى. أما الفنون فمثال واحد مثل المسلات المصرية التي ترتفع محدبة إلى السماء تشير إلى رحلة الصعود إلى يوم الحساب، ومثلها الأهرام تظل مثالاً عابراً للزمان.
* بعدما اختار أحد الكتاب روايتك "بيت الياسمين" لتقديمها سينمائياً، ماذا يمثل لك هذا الخبر؟ وهل ما زلت تتذكر وقائع الإقدام على كتابة هذه الرواية؟
- الكاتب هو السيناريست عماد يوسف النشار الذي يعيش في الجنوب بعيداً عن القاهرة. أسعدني جداً اختياره ومتابعته لأعمالي وأعمال غيري، ونشرت الخبر راجياً أن يهتم به من احتكروا صناعة الأفلام والمسلسلات. أتمنى أن يحدث ذلك، ولا يستمر الأمر مع هذه الرواية العجيبة كما هو. هي رواية عن شخص أسميته شجرة محمد علي، أُوكِلت إليه قيادة العمال في شركة في الإسكندرية للقاء الرئيس السادات في الشارع. عشت ذلك ورأيته. في الطريق قال لهم "هل لو لم نذهب سيعرفون والأوامر صادرة لكل الشركات؟ خذوا نصف المبلع المقرر لكل منكم واذهبوا حيث تريدون". وجد معه مبلغاً كبيراً وقتها مما اقتطعه منهم. أمضى يوماً جميلاً في المطاعم، وفكّر هل يمكن أن يفعل ذلك دائماً. صار لعشر سنوات هي أيام حكم السادات يفعل ذلك، وترتفع مكافأة العمال فيرتفع ما اقتطعه منها حتى اشترى شقة في منطقة الدخيلة، التي يعيش فيها وتزوج. للأسف، يحدث معي ما فعله شجرة. بعتها للسينما ثلاث مرات منذ صدورها عام 1986، وحصلت على مكافأتي عن التنازل عنها من ثلاث شركات ولم يتم إنتاجها. أتذكّر ذلك دائماً وأضحك، وإن كنت أتمنى أن ينجح السيناريست الموهوب عماد يوسف النشار في بيعها، بخاصة أنه غيّر تاريخها ومكانها وجعلها قبل تموز/يوليو 1952 لتمرّ. وبالمناسبة، هو وغيره قاموا بمعالجات فنية لأكثر من رواية لي لكن للأسف الاحتكار في الإنتاج له رأي آخر.
* عن علاقتك بالمشهد السياسي/ المعيشي وتناوله في أغلب مقالاتك المنشورة في مصر وعربياً، كيف ترى مستقبل العيش/ والحريات؟ وهل هناك ثمة روشتة للعلاج والخروج من هذه الأزمة؟
- الحرية والعدل والمساواة أمل البشرية منذ بداية التاريخ وتكوّن المجتمعات. الروشتة أو العلاج الوحيد هو حياة ديموقراطية، مع العلم بأن الديموقراطيه هي درجات في سلم طويل. المهم هو أن نعود إلى صعود السلم الذي بدأت مصر صعوده بعد ثورة 1919، وأوقفه انقلاب تموز 1952. كنا نمشي في طريق الليبرالية رغم أي ظواهر غير مُرضية. هل تعرف مثلاً أن الملك فاروق كان تقربياً قد فقد كل مميزات الملك قبل 1952. كانت الأحزاب وعلى رأسها حزب "الوفد" هي التي تقود البلاد. توقفت طريق الليبرالية فصرنا إلى ما نحن فيه. أكتب المقالات نهاراً لأرتاح وأجعل الليل للرواية، فالفن بالنسبة إليّ روح أكثر منه عقلاً. هكذا أعيش.
0 تعليق