كتب المهندس حيدر عبد الجبار البطاط، لـ"النهار":

إن إقامة أي منشأة صناعية، سواء كانت مصفاة، محطة عزل نفط، معمل أسمدة أو بتروكيماويات، يؤدي حتماً إلى انبعاث ملوثات غازية أو مواد خطرة قد تؤثر سلباً على صحة الإنسان والبيئة المحيطة. لذلك، من الضروري إخضاع هذه المشاريع لمحددات بيئية صارمة ومعايير دولية معتمدة لضمان:

* حماية صحة الإنسان من الأمراض التنفسية والسرطانية والعصبية الناتجة عن التلوث.
* حماية عناصر البيئة الطبيعية من تلوث الهواء والماء والتربة.
* تحقيق تنمية مستدامة تحترم حقوق الأجيال القادمة.

أولاً: المتطلبات الأساسية قبل إنشاء المشروع
1. دراسة تقييم الأثر البيئي (EIA - Environmental Impact Assessment):
   تمثل هذه الدراسة الخطوة الأولى والأساسية قبل الشروع في أي مشروع صناعي، وهي معتمدة في كافة القوانين الدولية، مثل اتفاقية الأمم المتحدة للبيئة (UNEP). وتشمل:

* تحليل التأثير على صحة السكان المحليين.
* تقييم مصادر التلوث (الغازات مثل H2S، CO2، SO2، NOx، CH4) والمياه والنفايات.
* تقييم تأثير المنشأة على التنوع الحيوي في المنطقة المحيطة.
* دراسة المخاطر الكيميائية والانفجارية.
* اقتراح خطة إدارة بيئية (EMP) وخطة طوارئ.

2. تحديد الموقع بعيداً عن السكان والمصادر البيئية الحساسة:
يجب أن تكون المنشأة على بعد لا يقل عن 10 إلى 15 كلم عن المناطق السكنية والمدارس والمستشفيات.
* يُشترط وجود حزام أمان بيئي حسب طبيعة المشروع.
* الابتعاد عن مصادر المياه الجوفية ومجاري الأنهار لتفادي التلوث.

ثانياً: المحددات والضوابط البيئية الرئيسية
الانبعاثات الغازية المسموح بها (وفقاً لمنظمة الصحة العالمية WHO ووكالة حماية البيئة الأميركية EPA):
* ثاني أكسيد الكبريت (SO2): 20 ميكروغرام/م³ خلال 24 ساعة.
* أكاسيد النيتروجين (NOx): 40 ميكروغرام/م³ سنوياً.
* الجسيمات الدقيقة (PM2.5): 10 ميكروغرام/م³ سنوياً.
* ثاني أكسيد الكربون (CO2): يجب تقليله باستخدام تقنيات احتجاز الكربون (CCS).

إدارة المياه والنفايات السائلة:
* ضرورة معالجة المياه الصناعية باستخدام محطات معالجة متقدمة قبل تصريفها.
* يمنع تصريف أي مواد سامة أو كيميائية في الأنهار أو التربة.

الضوضاء والاهتزازات:
 يجب ألا يتجاوز مستوى الضجيج في المناطق السكنية المجاورة 55 ديسبل نهاراً و45 ديسبل ليلًا.

الاحتياطات الصحية داخل المنشآت:
* إجراء فحوصات دورية للعاملين (جهاز تنفسي، دم، كبد).
* توفير أنظمة تهوية متقدمة.
* الالتزام الكامل باستخدام معدات الحماية الشخصية (PPE).
* مراقبة مستويات الغازات بشكل مستمر داخلياً وخارجياً.

العناصر المشعة الطبيعية (NORM):
تشمل عناصر مثل الراديوم-226، الراديوم-228، الرادون-222، اليورانيوم والثوريوم. وهي موجودة طبيعياً في باطن الأرض ولكن تصبح خطرة عند استخراج النفط أو الغاز بسبب:
*ذوبانها في المياه المصاحبة.
* ترسبها في الأنابيب على شكل قشور أو رواسب مشعة.

التقنيات المقترحة للحد من التلوث

معالجة الانبعاثات الهوائية:
* استخدام مرشحات كهروستاتيكية (ESP) لاحتجاز الجسيمات.
* استخدام تقنية التحفيز الانتقائي (SCR) لتقليل NOx بنسبة تصل إلى 90%.

معالجة المياه الصناعية:
* استخدام تقنية التناضح العكسي (RO) أو أنظمة الأغشية الحيوية (MBR).

المراقبة البيئية والمساءلة
* تأسيس هيئة رقابية بيئية مستقلة تتمتع بصلاحيات التفتيش والإغلاق الفوري للمنشآت المخالفة.
* تفعيل منصات رقمية لرصد التلوث من قبل المواطنين.
* نشر تقارير ربع سنوية علنية حول الالتزام البيئي للمشاريع.

صورة تعبيرية (وكالات)

خطط التعويض البيئي
* إلزام المنشآت بإقامة أحزمة خضراء أو تمويل مشاريع حماية البيئة.
* حساب البصمة الكربونية لكل مشروع ووضع آلية لتعويضها.
* تمويل حملات للتثقيف البيئي في المجتمعات المتضررة.

ثالثاً: القوانين والمعايير الدولية ذات الصلة
* اتفاقية بازل بشأن النفايات الخطرة.
* اتفاقية باريس للمناخ.
* معايير وكالة حماية البيئة الأميركية (EPA).
* إرشادات منظمة الصحة العالمية لجودة الهواء.
* اتفاقية ستوكهولم بشأن الملوثات العضوية الثابتة (POPs).
* معيار ISO 14001 لإدارة الأنظمة البيئية.
* قانون حماية وتحسين البيئة العراقي رقم 27 لسنة 2009.

رابعاً: نتائج الإخلال بالمعايير البيئية
* ازدياد معدلات الإصابة بالسرطان والأمراض التنفسية.
* ارتفاع معدلات التشوهات الخلقية بين الأطفال.
* تلوث المياه الجوفية بالمعادن الثقيلة مثل الزئبق والرصاص.
* تدهور النظام البيئي المحلي وارتفاع درجات الحرارة.
* فقدان التنوع الحيوي وموت الكائنات الحية.

الخلاصة والتوصية
أي منشأة صناعية تنطوي على انبعاثات ضارة يجب أن تخضع لخطط مدروسة بيئياً، وأن يُسمح بإنشائها فقط بعد دراسة الأثر البيئي بشكل شفاف. يجب أن تكون خاضعة لرقابة حكومية مستقلة، ولا تُمنح التراخيص في حال ثبوت أي خطر على الإنسان أو البيئة. فالاقتصاد الحقيقي لا يبنى على حساب صحة الإنسان أو تدمير الطبيعة، بل على احترام الحياة وحقوق الأجيال القادمة.