نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الصين والولايات المتحدة... "أعدقاء" منذ القرن التاسع عشر - تكنو بلس, اليوم السبت 14 يونيو 2025 04:13 مساءً
ذات يوم من تموز/يوليو من عام 1971 حطت طائرة أميركية بسريّة تامة في مطار بكين قادمة من باكستان وعلى متنها هنري كيسينجر مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون، والتي نتج عنها أول زيارة لرئيس أميركي إلى بكين في شباط/فبراير من عام 1972، ومنها كانت انطلاقة العلاقات الثنائية مع الجمهورية الشيوعية. مع العلم أن تاريخ هذه العلاقات يعود إلى عام 1844 مع معاهدة وانغشيا.
من دون الدخول في الأسباب الكامنة وراء خطوة نيكسون سواء كانت مرتبطة بإنهاء حرب فيتنام وخلق قلق إقليمي ودولي إضافيين إلى الاتحاد السوفياتي أم غيرها، فإن العلاقات الصينية الأميركية تميّزت بما يمكن وصفه بأنها علاقة "أعدقاء". في زمن ما قبل الشيوعية ساعدت الولايات المتحدة الصين في مواجهة المجاعة في عشرينيات القرن الماضي، ومن ثم تصادما في زمن الحرب الكورية ومن بعدها فيتنام من دون الدخول في مواجهة مباشرة.
بعد استفحال الخلاف الأيديولوجي الشيوعي بين الزعيمين الصيني ماو تسي تونغ والسوفياتي نيكيتا خروتشوف أواخر الخمسينيات ذهبت الأمور باتجاه دراماتيكي بين الطرفين حتى وصلت إلى وقوع اشتباكات مسلحة بين جيشي البلدين، وفي عام 1969 كاد الاتحاد السوفياتي والصين أن يخوضا حرباً نووية مع تهديد موسكو بكين باستهداف برنامجها النووي الفتيّ حينها.
هذه الوقائع ساهمت بإنجاح زيارة نيكسون التاريخية ومعها تكرّست ثلاثية الأقطاب، لكن بالنسبة للصين بقيت العلاقة مع الولايات المتحدة يشوبها الحذر والقلق في آن، على الرغم من تقاطع المصالح. والنقطة الجوهرية في هذا السياق كانت منذ ذلك الوقت هي جزيرة تايوان، التي لجأ إليها النظام الجمهوري عام 1949، والتي تلقى دعماً أميركياً استثنائياً.
تاريخ من التقلبات
أزمة تايوان صحيح أنها أخذت حيزاً مهما من النقاش مع الرئيس الأميركي نيكسون، لكنها لم تقدر أن تضع لها أسس حلّ. ومن ثم تراكمت الأزمات الداخلية التي دفعت باتجاه استقالة نيكسون في حادثة هي الأولى من نوعها في تاريخ الرئاسات الأميركية بسبب فضيحة "ووترغيت".
ومن ثم جاء عهد جيمي كارتر الذي كان يعد بربيع أميركي - صيني، وهو الأمر الذي استغله رونالد ريغان في حملته الانتخابية في مواجهة كارتر، معتبراً أن الأخير غير قادر على مواجهة الصين وبالتالي وعد بزيادة الدعم إلى تايوان.
الاهتمام بالصين تراجع بعد أحداث أيلول/سبتمبر 2001 ليعود بقوة عام 2012 مع الرئيس الأسبق باراك أوباما وإطلاق الرئيس الصيني الحالي شي جينبينغ مبادرته الاقتصادية العملاقة "الحزام والطريق" عام 2011، ومعها ظهرت الصين كمنافس جيوسياسي يتمتع بقدرات اقتصادية ضخمة مع فائض تجاري كبير ساعد بتعزيز مكانتها الدولية، وترافق ذلك مع تطور كبير في التكنولوجيا والقدرات العسكرية. ومنذ ذلك الوقت يتصدر التنين الآسيوي قائمة اهتمام الإدارات الأميركية المتعاقبة ومختلف المؤسسات الرسمية.
ميناء يانغشان قرب شنغهاي (أ ف ب)
ترامب والحرب التجارية
إعلان الرئيس 47 للولايات المتحدة حربه التجارية على الشركاء والحلفاء مع فرضه رسوماً جمركية على السلع المستوردة، كان للصين حصة الأسد فيها إذ وصلت قيمة الرسوم إلى ما نسبته 145 في المئة، وترافق ذلك مع سلسلة إجراءات لها علاقة بدخول الطلاب الصينيين إلى الجامعات الأميركية وغيرها من الأمور.
في المقابل تمتلك الصين أوراق قوة ليس أقلها امتلاكها شبه الحصري لمعادن نادرة، تشكّل العمود الفقري لصناعة السيارات والتوربينات والصناعات العسكرية والهواتف الذكية وأشباه الموصلات وغيرها العشرات من الصناعات الحديثة.
اختصاراً، يقول مدير مجموعة غينغر للتجارة والاستثمار الدولي توماس كرومر، في حديث لموقع "بي بي سي"، إن المعادن الأرضية النادرة "تدخل في تصنيع كل ما يمكن تشغيله أو إطفاؤه من أجهزة".
وفي هذا السياق، تقول الباحثة والكاتبة الصينية ياي شين هوا، لـ"النهار"، إن "سياسة الصين في تقييد صادرات المعادن الأرضية النادرة ليست مجرد رد فعل على النزاع التجاري مع الولايات المتحدة، بل تعكس اعتبارات استراتيجية متعددة وتظهر التفكير المنظم والمسؤول للصين في إدارة مواردها".
وتشير شين هوا إلى أنه لا يزال هناك العديد من الخلافات بين الجانبين، لكن بالنسبة للصين فإن الحفاظ على مصالحها الجوهرية والتوازن بين التعاون المستدام مع الخارج أمر بالغ الأهمية. علاوة على ذلك "يوفر السوق الداخلي الضخم في الصين دعماً أساسياً لاستقرار الاقتصاد".
وتنوّه الباحثة الصينية، إلى أن "الاحتياطيات الكبيرة من العملات الأجنبية والذهب توفر دعماً إضافياً ضد المخاطر المالية الخارجية". وتضيف إلى عامل آخر من عوامل القوة الصينية وهي المتمثلة في مبادرة "الحزام والطريق" التي سمحت لبكين من "تقليل المخاطر التجارية وتعزيز قوتها في صياغة القواعد الدولية".
وعلى هذا الأساس بدأ الرئيس دونالد ترامب بـ"استدراج العروض" لبدء مفاوضات مع الغريم الأول، إلى أن حان الموعد لإجراء أول اتصال هاتفي بين رئيسي البلدين استتبع بلقاء مباشر للوفود المعنية في لندن وانتهى باتفاق "إطار عام" سمح للصين بإعادة تصدير المعادن إلى الولايات المتحدة لفترة تمتد إلى ستة أشهر. وكتب ترامب على منصته "تروث سوشال" أن الصين "سوف تُصدر المغناطيسيات الكاملة وأي معادن أرضية نادرة ضرورية. وسنزود الصين بالمتفق عليه بما في ذلك الطلاب الصينيون الذين يدرسون في جامعاتنا... سنحصل على رسوم جمركية إجمالية بنسبة 55 في المئة وستحصل الصين على 10 في المئة".
ووضع عملية تصدير المعادن النادرة في إطار محدد زمنياً، من أسبابه ضمان التزام واشنطن بالاتفاقيات التي تمّ توصل إليها. وتطالب الصين، بحسب شين هوا، بـ"تخلي الولايات المتحدة عن السياسات الحمائية في التجارة الدولية، والتخلي عن السياسات التجارية التصعيدية". إلى جانب الاستمرار في فتح قنوات الحوار والتفاوض بشكل منتظم مع الصين، "ما يساعد في تقليل الفجوات المعرفية بين البلدين وتعزيز الفهم المتبادل في القضايا التجارية والسياسية".
وفي حديث لقناة "سي أن أن" الأميركية، قال أستاذ الاقتصاد والسياسات العامة في جامعة ميشيغان جاستن وولفرز: "تُظهر الصين قدرتها على ممارسة قوة اقتصادية هائلة من خلال كونها استراتيجية، وتضرب الصناعة الأميركية في النقاط الصحيحة".
وسبق للرئيس الصيني أن شدّد خلال عام 2019 عقب الحرب التجارية الأولى خلال ولاية ترامب السابقة أن "المعادن النادرة مورد استراتيجي حيوي".
وفي السياق نفسه، نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن نائبة رئيس جمعية آسيا والمفاوضة التجارية الأميركية السابقة ويندي كاتلر، أن الولايات المتحدة "دفعت ثمناً باهظاً لاستعادة القدرة على الوصول إلى المعادن والمغناطيسات الصينية الهامة، من خلال وضع ضوابط التصدير على التكنولوجيا على طاولة المفاوضات".
ونقلت الصحيفة عينها عن مديرة السياسة الاقتصادية في فيدا بارتنرز هنريتا تريزر قولها إن الكثير من الوقت استهلك في هذه المفاوضات "في ترجمة وتأكيد المعنى وتكرار الإطار". وأضافت أن ذلك جعل المفاوضات تستغرق وقتاً طويلاً، ولكنه أدى في النهاية إلى "الحفاظ على جزء كبير من الوضع الراهن".
وبالحديث عن الوضع الراهن، إن توصل الطرفان إلى تسويات تجارية، فإن مسألة تايوان تبقى من القضايا الرئيسة التي يصعب فيها رأب الصدع، لاسيما وأن الحرب التجارية لا تنفصل عن الصراع الجيوسياسي الذي يأخذ المحيطين الهندي والهادئ مسرحاً له.
0 تعليق