الشروط الاقتصادية لحل الدولتين: العوائق والحلول - تكنو بلس

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الشروط الاقتصادية لحل الدولتين: العوائق والحلول - تكنو بلس, اليوم الجمعة 13 يونيو 2025 06:25 صباحاً

من نافل القول إن حل الدولتين، أي قيام دولة فلسطينية مستقلّة إلى جانب إسرائيل، هو الأمل الأكبر لإنهاء نزاع طال أمده. لكن هذا الأمل لا يتعلق فقط بالسياسة، إذ تحتلّ المسائل الاقتصادية قلب الموضوع. يُعَدّ التفاوت الاقتصادي الكبير بين الضفة الغربية وقطاع غزة من جهة وبين الدولة العبرية من الجهة الأخرى، والقيود الإسرائيلية التي تكبّل التنمية الفلسطينية، والاعتماد الاقتصادي الفلسطيني شبه الكامل على إسرائيل، عقبات كأداء أمام قيام دولة فلسطينية مستقرّة ومزدهرة.

عندما نتحدث عن العوائق الاقتصادية، تبرز القيود الإسرائيلية كحجر عثرة أساسي. إن حركة الفلسطينيين وحركة بضائعهم مقيّدة باستمرار، وإن جزءاً كبيراً من أرضهم ومواردهم الطبيعية –مثل المياه والأراضي الخصبة في المنطقة "ج"، التي تشكّل حوالي 60 في المئة من الضفة الغربية– ليس تحت سيطرتهم الكاملة. هذه القيود تخنق الاقتصاد الفلسطيني، وتمنع الاستثمار، وتجعل من الصعب على أي عمل تجاري أن ينمو.

تشير تقديرات البنك الدولي إلى أن هذه القيود تكلف الفلسطينيين نحو 3.4 مليارات دولار سنوياً، أي ما يعادل 35 في المئة من دخلهم القومي. يُضَاف إلى ذلك الاعتماد الفلسطيني شبه الكلي على إسرائيل اقتصادياً. يشكّل عمل أكثر من 180 ألف عامل فلسطيني في داخل إسرائيل والمستوطنات شريان حياة لآلاف العائلات، لكنه يجعل في الوقت نفسه الاقتصاد الفلسطيني هشاً للغاية أمام أيّ تقلّبات سياسية أو أمنية. فأي إغلاق للحدود يعني كارثة، ذلك أن البطالة يمكن أن تقفز قفزة ضخمة، كما حدث في غزة بعد اندلاع الحرب الجارية حيث يتجاوز معدّلها الـ 80 في المئة، فيما تبلغ في الضفة الغربية نحو 35 في المئة.

ولا يمكننا أن نغفل تدهور البنية التحتية ونقص الموارد، ولاسيما في غزة، حيث أكثر من 95 في المئة من مياه الشرب ملوّثة، والكهرباء غير متوفرة، وكانت تشهد عجزاً يتجاوز الـ 70 في المئة قبل الحرب بفعل الحصار الإسرائيلي المضروب على القطاع منذ عام 2007. هذا النقص لا يؤثر فقط في جودة الحياة، بل يجعل أيّ تنمية صناعية أو زراعية أمراً شبه مستحيل.

وما من شك في أن إعادة البناء تتطلّب أموالاً طائلة وجهوداً مستدامة. علاوة على ذلك، وعلى رغم الجهود كلها، لا تزال المؤسسات الفلسطينية تحتاج إلى تقوية، والحوكمة الرشيدة تحتاج إلى ترسيخ أكبر لمحاربة الفساد. وهذه تحديات يمكن أن تبعد المستثمرين وتقلل من فاعلية المساعدات الدولية. وأخيراً، يبقى غياب الاستقرار السياسي والأمني هو العائق الأكبر، فهو يغذي حالة عدم اليقين التي لا تجعل أحداً يجرؤ على التخطيط للمستقبل، بل يدفع المستثمرين بعيداً.

لكن الحلول ليست مستحيلة. يتطلّب الأمر خطة متكاملة. أولاً، لا بدّ من تخفيف القيود الإسرائيلية بشكل جذريّ. يجب تحرير حركة البضائع والأفراد، والسماح للفلسطينيين بالوصول إلى أراضيهم ومواردهم. يُشَار إلى أن الأمم المتحدة تقدّر أن تحرير الوصول إلى المنطقة "ج" وحده يمكن أن يزيد الناتج المحلي الإجمالي الفلسطيني بنسبة 35 في المئة.

ثانياً، على الجهات المانحة التركيز على بناء القدرة الإنتاجية الفلسطينية من خلال الاستثمار في الزراعة والصناعة والتكنولوجيا، ودعم الشركات الصغيرة والمتوسطة، وتوفير التدريب المهني للشباب. ثالثاً، يجب بناء بنية تحتية مستدامة، وهذا يتطلّب استثمارات دولية ضخمة، ولا سيما في قطاعات مثل الطاقة والمياه. يُذكَر أن أغلب التقديرات المستقلّة تشير إلى أن إعادة إعمار غزة وحدها قد تتطلّب عشرات المليارات من الدولارات.

رابعاً، يُعَدّ تعزيز الحوكمة الرشيدة وبناء مؤسسات شفافة وخاضعة إلى المساءلة أمراً أساسياً لجذب الاستثمارات وبناء الثقة. خامساً، سيساعد إبرام شراكات اقتصادية قوية مع الدول العربية المجاورة والعالم في تنويع الاقتصاد الفلسطيني وتقليل اعتماده على إسرائيل. وأخيراً، يجب أن تتضمن أي تسوية سياسية شاملة حلولاً اقتصادية عملية لمسائل الوضع الدائم مثل اللاجئين والمياه والحدود والقدس.

في الختام، يجب أن ندرك أن الاقتصاد ليس مجرد نتيجة للسلام، بل هو وقود يغذّيه. لا يمكن لدولة فلسطينية أن تكون حرّة وقابلة للحياة إلا إذا كانت قادرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي والرخاء لشعبها. وفي المقابل، لن تنعم إسرائيل بالأمن والسلام الحقيقي إلا إذا كان جيرانها ينعمون بالاستقرار والازدهار. لذلك، ليس الاستثمار في التنمية الاقتصادية الفلسطينية مجرّد عمل إنساني، بل هو استثمار استراتيجيّ في مستقبل السلام والأمن للمنطقة بأكملها.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق