نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
حول الإشكاليات التاريخية والسياسية لمشروع الدولة الفلسطينية - تكنو بلس, اليوم الجمعة 13 يونيو 2025 06:25 صباحاً
بداية، يفترض التذكير بأن مشروع الدولة الفلسطينية في الضفة والقطاع، أي في الأراضي التي احتلت في حرب حزيران/يونيو 1967، بات منذ عام 1974، أي قبل نصف قرن، بمثابة البرنامج الرسمي لمنظمة التحرير الفلسطينية، استناداً إلى نتائج حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، وبناء على المعطيات الدولية والعربية آنذاك.
بيد إن ذلك المشروع لم يكتب له النجاح، بسبب سياسات إسرائيل، ودعم الولايات المتحدة لها، وبسبب تعزيز الاستيطان الإسرائيلي في الضفة والقطاع، علماً بأن أول انقسام شهدته الحركة الوطنية الفلسطينية نشأ على خلفية هذا البرنامج، الذي اعتبر نكوصاً عن الحق التاريخي للفلسطينيين في أرضهم، وعن فكرة التحرير التي كانت نشأت على أساسها الحركة الوطنية الفلسطينية، قبل احتلال الضفة وغزة.
قد يفيد التذكير، أيضاً، بأن الضفة وغزة، باعتبارهما المنطقتين المفترضتين للدولة الفلسطينية التي باتت حلم القيادة الفلسطينية، والفلسطينيين عموماً، كانتا متاحتين قبل حرب 1967، لكن الضفة كانت أُتبعت بالمملكة الأردنية الهاشمية، في حين كانت غزة تقع تحت الإدارة المصرية. واللافت، في حينه، أن الحركة الوطنية الفلسطينية التي نشأت في عام 1965، أي قبل الاحتلال بعامين، لم تطرح إقامة دولة فلسطينية فيهما!
ما يفترض ملاحظته، أو إدراكه، أن اتفاق أوسلو (1993)، وتالياً الكيان الناشئ عنه في الضفة والقطاع، أتى على خلاف المشروع الأول، الذي سمّي بـ "البرنامج المرحلي"، واعتبر خطوة أولى لاستعادة باقي الحقوق الوطنية للفلسطينيين، بتقرير مصيرهم في أرضهم من النهر إلى البحر، وضمان حق العودة للاجئين. واستند البرنامج المرحلي إلى قوة دفع من انقسام العالم إلى معسكرين، إذ كان الاتحاد السوفياتي (السابق) والدول التي تسير في فلكه تدعم هذا المشروع، إضافة إلى النظام العربي، في حين أن اتفاق أوسلو أتى بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وهيمنة الولايات المتحدة على النظام الدولي والإقليمي، وفي ظلّ تصدع فكرة الصراع العربي - الإسرائيلي، نتيجة صعود نفوذ إيران في المنطقة التي وجدت في القضية الفلسطينية ضالتها لتعزيز تدخّلاتها في بلدان المشرق العربي.
أيضاً، اتفاق أوسلو الذي أتى بعد أفول نجم الحركة الوطنية، والكفاح المسلّح، والفلسطينيين في الخارج، نتيجة اجتياح إسرائيل للبنان (1982)، خلق تصدّعاً في الحركة الوطنية الفلسطينية، خاصة مع انقسامها إلى تيارين: وطني بقيادة "فتح"، و"إسلاموي" بقيادة "حماس". وكما شهدنا، فإن هذا الاتفاق الذي أتى بعد عقدين على تبنّي الفصائل الفلسطينية البرنامج المرحلي (الدولة في الضفة والقطاع، وحق تقرير المصير، والعودة) فشل بدوره، رغم مرور أكثر من ثلاثة عقود عليه، وذلك بسبب تملّص إسرائيل من الاستحقاقات المطلوبة منها، وسعيها إلى تكريس الاحتلال، وتعزيز المستوطنات، والهيمنة على حياة الفلسطينيين من النهر إلى البحر، وبسبب الدعم الأميركي لها، وضعف فاعلية النظام العربي، بحكم اختلافاته، وانشغاله بمواجهة التحدّي الإيراني.
الآن، نحن إزاء معطيات جديدة، شكّلتها تداعيات "طوفان الأقصى"، بفعل حرب الإبادة الوحشية التي شنتها إسرائيل ضد غزة، والتي نجم عنها تقويض "حماس"، وكسر قوة "حزب الله" في لبنان، وسقوط نظام الأسد، وانحسار نفوذ إيران في المنطقة.
تلك المعطيات تحصل في ظل سيطرة اليمين القومي والديني على السلطة في إسرائيل، ومع قيادة أميركية تأخذ في الحسبان المصالح الإسرائيلية أساساً، وفي ظل هشاشة الوضع الفلسطيني، وتعب الفلسطينيين.
والمعنى أن ما تقدّم يشجّع إسرائيل على كسر فكرة الدولة الفلسطينية، وفرض هيمنتها على الفلسطينيين، من النهر إلى البحر، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، أي أن الوضع الفلسطيني في أحسن الأحوال باقٍ على حاله، مع سلطة حكم ذاتي - إداري، أقلّ من دولة (لو بمسمّى دولة!)، لكن مع نكبة جديدة تتمثل بتحويل غزة إلى منطقة غير صالحة للعيش، تحت وصاية دولية أو إسرائيلية، مع عزلها عن الضفة.
0 تعليق