نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
المتحف المصري الكبير.. من هنا تبدأ الحكاية - تكنو بلس, اليوم الخميس 12 يونيو 2025 03:31 مساءً
شاهدتُ فيلمًا تسجيليًا عن متحف اللوفر في باريس. وكان كل شيء فيه يبدو كأنه يدرك تمامًا أنه في باريس. حتى أبو الهول هناك بدا واقفًا بنظرةٍ تقول: "كيف انتهيت هنا؟".. تماثيل رمسيس وحتشبسوت وأخناتون والكاتب الجالس، محفوظة بإتقان، محاطة بإضاءة محسوبة، لكنها بعيدة عن النيل، عن الشمس، عن صمت الجيزة. بدت تلك القطع كأنها رسائل من زمن قديم، وُضِعت بعناية في صندوق أجنبي، دون أن تُفتح بالكامل.
فكّرتُ حينها: ماذا لو استطاعوا الكلام؟.. هل كانت نفرتيتي ستعبّر عن دهشتها من الزوّار؟.. هل كان الكاتب الجالس سيسجّل ملاحظاته على من يقرأونه دون أن يعرفوا لغته؟.. ثم أدركت: لسنا بحاجة إلى عودتهم من هناك، نحن من يحتاج أن يعود إليهم هنا. وهنا تحديدًا، وُلد المتحف المصري الكبير، لا كمكان لعرض ما نملكه، بل كمساحة نستعيد فيها سرديتنا، ونرى أنفسنا كما كنّا — لا كما فُسّرنا.
يقف رمسيس الثاني عند المدخل، لا كتمثال، بل كظلّ صوتٍ قديمٍ يقول: "تأخّرتم، لكنني انتظرت".. وتوت عنخ آمون لا يظهر كملك صغير، بل كأيقونة حضارية تسترد موقعها في الذاكرة الجماعية. أكثر من خمسة آلاف قطعة من كنوزه تُعرَض كاملةً لأول مرة. لا لتُبهر العالم فحسب، بل لتمنحنا نحن فرصة الفهم. وهنا جاءت دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي لملوك ورؤساء العالم لحضور افتتاح المتحف، لا كدعوة بروتوكولية، بل كدعوة لوقفة صادقة أمام مرآة الإنسانية الأولى. لحظة نادرة يلتقي فيها الماضي بالحاضر، ويتأمل فيها العالم: من أين بدأ الإنسان يفكر، ويحلم، ويصنع الجمال؟ وربما لا تعود الآثار الموزعة في متاحف الدنيا قريبًا، لكنّ ما يُبنى هنا هو الوعي — والوعي وحده هو ما يعيد الأشياء إلى مكانها.
حتى الأطفال هنا لهم مساحة من الدهشة. فالتاريخ لا يُدرّس فقط، بل يُحَسّ، ويُفتح ككتابٍ شخصي. المتحف المصري الكبير ليس ترفًا ثقافيًا، بل لحظة وعي. لا يطلب من العالم شيئًا، بل يفتح نوافذه علينا نحن. لا يقول: "أعيدوا لنا آثارنا"، بل يقول: "ها نحن نعرف كيف نحكيها." وربما لا نعرف ماذا كان ليكتب الكاتب الجالس لو رأى هذا المشهد، لكنه على الأرجح كان سيسجّل في سطره الأول:
"أهلاً بكم في مصر... حيث الحجر يتكلّم، والتاريخ يبتسم، والزمن يعود إلى البيت."
0 تعليق