نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
ولائم
أفراح
أهل
الواحات
ابرز
مظاهر
عيد
الأضحى
المبارك - تكنو بلس, اليوم الثلاثاء 10 يونيو 2025 09:19 صباحاً
باحثون وشيوخ وأهالٍ يروون تفاصيل تقليد فريد يجسد روح الواحات المصرية الأصيلة في مشهد يفيض بالكرم ويعكس أصالة التراث، حيث تتزين قرى الداخلة وبلاط بمحافظة الوادي الجديد خلال أيام عيد الأضحى المبارك، بفرحة إضافية تملأ القلوب وتجمع الأهالي على موائد المحبة؛ فكانت"ولائم الأفراح"، العادة السنوية المتجذرة التي يحرص عليها أهل الواحة لإقامة حفلات الزفاف والعرس خلال أيام العيد المباركة.
يعبر محمد أحمد جبالي، شقيق أحد العرسان الذي أقيم عرسه ثالث أيام العيد، عن فرحته الغامرة: قائلا "الفرحة اليوم فرحتان؛ بقرية الهنداو ، فرحة العيد ببهجته الروحانية، وفرحة زواج أخي الغالي ، مشيراً بأنه لا يوجد شعور أجمل من أن ترى قريتك كلها تشاركك فرحتك، وتدعو للعروسين بالبركة على مائدة واحدة ، مؤكداً بأن هذا هو الكرم الحقيقي الذي تربينا عليه في واحتنا الجميلة وقريتنا العامرة بالخير والسعادة.
فيما يروى إسماعيل صالح، أحد أشهر طباخي الأفراح بالواحة، ان مهنة الطبخ في هذه المناسبات لها أهمية خاصة وطابع مميز ، موضحا ، بأن الغرض الرئيسي لا يرتبط فقط بإعداد الطعام وتقديمه " للمعازيم " من اهل القرية ومدعويها من خارجها ، ولكن تبقي المشاركة في صنع الفرحة هى المكسب الحقيقي والبعد الرئيسي ، حيث تحل البركة في الطعام حين تعلم أنه سيجمع شمل الناس ويدخل السرور على قلوبهم ، مضيفاً أحياناً نقوم بطهي ما يزيد عن عشرات الذبائح في اليوم الواحد، وهذا مصدر فخر وسعادة لنا.
يتفق معه فى الرأى الباحث التاريخي ، محمود عبدربه ، والذى أكد بأن هذا التقليد ليس وليد الصدفة، بل هو ارتباط وثيق بالتراث الواحاتي القديم، حيث تتلاقى مناسبتان عظيمتان: مناسبة دينية لها مكانتها في قلوب المسلمين، وتقليد مجتمعي لإحياء سنة الزواج وإدخال الفرحة على الجميع، ليتحول العيد بمراكز محافظة الوادى الجديد إلى احتفالية مضاعفة تجمع بين البركة الدينية والترابط الأسري والمجتمعي.
وفى سياق متصل ، اوضح الشيخ نصر الدين الازهرى مدير مكتب وعظ الداخلة سابقا ، أن فصول هذه القصة المبهجة تبدأ مع ساعات الظهيرة، حيث يقوم والد العروس ووالد العريس، كلٌ في محيط منزله، بنصب سرادقات الفرح وإعداد مأدبة طعام ضخمة مفتوحة لكل أهالي القرية والجوار ، موضحا بأن الوجبة الرئيسية تتشكل من لحوم الأضاحي الطازجة، التي يطهوها أمهر الطباخين، إلى جانب الأرز والخضار والمعكرونة، لتصنع وليمة عامرة يجتمع حولها الصغير والكبير، والغني والفقير على مأدبة واحدة، في مشهد يجسد أسمى معاني التكافل والمساواة.
من ناحية أخرى ، وللتعمق في أبعاد هذه العادة الفريدة، يضيف الشيخ محمد سيد الزهرى ، يعمل بقطاع الازهر الشريف ، أن هذه الظاهرة ليست مجرد احتفال، بل هي آلية اجتماعية وثقافية عميقة الجذور ، مؤكدا بانها خير وسيلة لدمج الأفراح في نسيج العيد ، وهو الامر الذي يعزز من التماسك المجتمعي ويؤكد على الهوية الجمعية لأهل الواحة ، مشيرا إلى إنها طريقة ذكية للحفاظ على التراث اللامادي من خلال ممارسته بشكل حيوي، وتوريث قيم الكرم والتراحم للأجيال الجديدة.
يؤكد الشيخ محمد شاذلي، شيخ قرية الهنداو، على الأهمية الروحية والاجتماعية لهذه العادة ، مشيرا إلى ما يقام من مآدب وولائم للطعام خلال أيام عيد الاضحي المبارك ،حيث تحل البركة عندما يجتمع الناس على طعام واحد وقلب واحد ، مضيفا بأن هذه العادات المتأصلة فى صميم تاريخ مجتمع الواحات تشيع حالة من المحبة والتواصل ، وانهم ككبار القرية يحرصون على استمرار هذا التقليد لأنه يعلم الأبناء أن الفرح لا يكتمل إلا بمشاركة الجميع، وأن الزواج ليس ارتباط فردين، بل تلاحم عائلتين وقرية بأكملها.
لا تقتصر مظاهر الكرم على المائدة الرئيسية، بل تمتد لتصل إلى كل منزل ، أشارت السيدة هدى سنوسي، من أهالي الداخلة، إلى دور النساء في هذا اليوم: قائلة "دورنا كنساء لا يقتصر على الحضور والمباركة، بل نقوم بتجهيز 'صواني الخير' ، وهي وجبات طعام شهية تُحمل على صوانٍ كبيرة وتتجه بها النساء إلى منازل الأهل والأقارب وكبار السن والمرضى وكل من حالت ظروفه دون الحضور ، والتى تعد بمثابة رسائل مودة وتقدير، وتأكيد على أنه لا أحد يُنسى في أفراح الوادى الجديد.
وقال الدكتور محمود صالح ، عضو لجنة توثيق التراث بالمحافظة ، أن لوحة الفرح تكتمل مع حلول المساء ، لافتا بانه فور عقد القران والإشهار في المسجد عقب صلاة العصر في أجواء روحانية، تبدأ مراسم العرس الليلي، حيث تتعالى أصوات الطبول والمزامير، وينطلق الغناء والرقص الشعبي الذي يعبر عن التراث الفني للواحة، لتستمر الاحتفالات حتى ساعات متأخرة من الليل، تاركةً في النفوس ذكريات لا تُمحى من الكرم والفرح والتلاحم.
وتابع ، تظل "ولائم أفراح أهل الواحة" في عيد الأضحى شاهدة حية على مجتمع فريد، ينسج من تقاليده الدينية والاجتماعية خيوطاً قوية من المحبة، ويقدم للعالم نموذجاً ملهماً في الكرم والتكافل، نابضاً بالحياة والأصالة.
يمكنك مشاركة الخبر علي صفحات التواصل
0 تعليق