نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
حين
يأكل
الجشع
ما
تبقى
من
الكرامة! - تكنو بلس, اليوم السبت 7 يونيو 2025 11:31 صباحاً
مدخل:
ليست كل العثرات هاجسًا، وليست كل الأبواب المغلقة هزيمة. أحيانًا، حين يعاندك الزمن، لا تكن متسولًا للفرج، بل كن إنسانًا يرى في الألم سؤالًا للحكمة، وفي الانكسار طريقًا للنضج!
قبل أيام، وجدت نفسي واقفًا أمام أحد البنوك في محاولة لتسوية قرض قديم يعود لبطاقة ائتمانية تراكمت فوائدها عبر السنوات. ذهبت بعزمٍ على طيّ الصفحة، لكنني اصطدمت بجدارٍ من البيروقراطية الباردة، وتعاملٍ بدا خاليًا من الحد الأدنى من الإنسانية.
هناك، شعرت أن الإنسان لم يعد يُرى ككائن له قصة، واحتياج، وأمل، بل بات مجرد رقم على شاشة، يتعاملون معه بلغة الحسابات، لا بلغة القلوب. لم تكن المشكلة في موظفٍ رفض استلام مبلغ التسوية بحجة “تجميد الحساب”، بل في ما هو أعمق: ثقافة مصرفية اختزلت العلاقة بين الإنسان والبنك إلى معادلة صمّاء، لا تُبقي ولا تذر.
في مشهد يتكرر كثيرًا، نجد أن بعض البنوك، حتى تلك التي تتوشح برداء “الإسلامية”، قد أصبحت في جوهرها مؤسسات ربحية بحتة، تُغري الفرد بعروض التمويل، ثم تُحكم عليه طوقًا من الالتزامات المتشابكة، وتُبقيه عالقًا في دائرة لا نهاية لها. تبدأ الرحلة بكلماتٍ براقة كـ”التسهيلات” و”التمويل المرن”، لكنها تنتهي بشروطٍ مخفية، وفوائد غير معلنة، ورسوم تتكاثر كأنها تُراكم الألم عمدًا. في لحظة من لحظات التأمل، تساءلت: هل نسي القائمون على هذه المؤسسات أن الناس لا يطرقون أبوابهم ترفًا، بل بدافع الضرورة؟ هناك من يأتي ليُطعم أطفاله، أو ليُكمل بيتًا بدأه قبل سنوات، أو ليعالج مرضًا لم يُمهله الأمل كثيرًا.
هل غاب عن ذاكرتهم أن خلف كل معاملة قلبًا ينبض، وكتفًا أرهقها الانتظار، وروحًا تكاد تنطفئ تحت وطأة الإجراءات؟ “أكلوا الجلود اليابسة”… هكذا هم البعض حين لا يكتفون بلقمة العيش، بل يسعون إلى امتصاص آخر ما تبقى من كرامة الإنسان، باسم اللوائح والأنظمة.
لسنا هنا أمام قضية مالية فحسب، بل أمام تساؤل أخلاقي عميق: كيف يمكن لمؤسسة أن تبني نجاحها على عجز الآخرين؟ وكيف لمنظومة أن تغض الطرف عن إنسان يتهاوى تحت ضغوط لم يخترها، بل اضطر إليها؟
رسالتي إلى أصحاب القرار في هذه المؤسسات، أن يعيدوا النظر. ليس في لوائحهم فحسب، بل في فلسفة عملهم. ضعوا الرحمة قبل الربح، والإنصاف قبل العائد، والإنسان قبل النظام. فالمال وسيلة، لا غاية!!
وإذا ما أصبحت الغايات تُحقق بدهس الكرامات، فذاك نذير خللٍ لا تُجدي معه المعايير المحاسبية!
0 تعليق