نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
عون ولبننة العراق - تكنو بلس, اليوم الأربعاء 4 يونيو 2025 04:13 صباحاً
كانت لافتة زيارة رئيس الجمهورية اللبنانية العماد جوزف عون إلى العراق، وخصوصاً أنها تؤشر إلى مستوى الإدراك في قصر بعبدا لأهمية الدولة العراقية وشعبها ومكانتهما في الوجدان اللبناني.
وبالرغم من أنها تأتي في إطار أجندة زيارات يقوم بها عون لعدد من الدول العربية والغربية للحصول على مزيد من الدعم للبنان وهو يمر بمرحلة جديدة استطاع من خلالها استعادة الدولة التي اختطفها السلاح، إلا أن سردية تفكيك أي التباس يُعكر العلاقة بين بغداد وبيروت، بعد تعويل حكومة السوداني على حضور الرئيس عون إلى القمة العربية، قد تكون من أهم المحفزات لهذه الزيارة، فضلاً عن بحث عدد من الملفات السياسية والأمنية والاقتصادية ومستويات الدعم المتبادلة الأخرى المنتظرة بين الدولتين.
يتشابه العراق ولبنان في الكثير من الصفات السياسية والتحديات الوجودية خلال العقدين الماضيين؛ بدءاً من التأثيرات الإيرانية على القرار السيادي للدولتين، مروراً بالسلاح الذي هيمن على الحياة العامة وتحكّم هذا السلاح بمفاصل الدولة والحكومة ومؤسساتها وتعطيلها إذا ما أراد ذلك حسب الأجندة، وما فتحه ذلك السلاح الموازي من فساد وولاء خارجي وشعارات حماية المكونات والتغانم الذي زرعته المحاصصة تحت مظلة الهويات الثانوية والتي أدت إلى مزيد من الانقسامات المجتمعية في الشعبين، وليس انتهاءً بالثلث المعطل في البرلمانين العراقي واللبناني والذي تحول لكابح لمحاولة الإنقاذ من الذهاب للهاوية.
اتهم البلدان نتيجة هذا التقارب، في طبيعة النظام السياسي والقوى الفاعلة والمعطلة فيه وتطابق الآليات التي تنتج المعادلات والحكومات فيهما، بأن هناك تأثيراً متبادلاً للحالة السياسية؛ فمصطلحا "لبننة العراق" و"عرقنة لبنان"، ثنائية واضحة لمستوى التقارب بالظروف وإمكانية اللاعب الإقليمي على خلق انسجام شاذ بين بغداد وبيروت، حتى تحول المصطلحان إلى جزء من الأدبيات السياسية في البلدين. ورغم محاولات تثبيت القوة المعطلة إلا أن ذلك لم يمنع لبنان وقواه الوطنية من التصدي وتحطيم القيد الذي فرضته المعادلات الإقليمية، فكان للخسارة الكبيرة التي تعرضت لها إيران في لبنان وسوريا، أثر في استثمار اللبنانيين للفرصة لاستعادة بلدهم وقرارهم السيادي، وتمثل ذلك باختيار رئيس الجمهورية بعد عامين من شغور المنصب ومنح الثقة لحكومة نواف سلام بعيداً من فيتو "حزب الله" وحركة "أمل"، وبذا أصبح لبنان بوجه وعهد جديدين.
إن حديث العماد عون في القصر الحكومي ببغداد والتذكير بضرورة تكريس الهوية الوطنية وتأكيد مبدأ "الدولة الوطنية السيدة" الحرة المستقلة ومنع التدخلات الخارجية، هي رسالة واضحة للعراقيين بأن عليهم بذل مزيد من الجهود لوضع خارطة طريق لإنقاذ بلدهم بوساطة النخب الوطنية المؤمنة بذلك الإرث الحضاري والدور الفاعل للعراق بين الدول العربية ومنطقة الشرق الأوسط، والعمل على سيادة القانون وحصر السلاح بيد الدولة ومكافحة الفساد، مع ضرورة الإيمان بالعمق والعمل العربي المشترك "لنحيا أحراراً كِراماً، في هذا العالم "على حد قول الرئيس عون.
لا شك أن حديث الرئيس عون من منصة بغداد يؤشر إلى تعافٍ لخطاب الدولة اللبنانية وفعلها، وما ينتظر بلاده وإدارته من عمل طويل للتخلص من آثار الماضي للنهوض كدولة حرة، وكذلك مضامينه التي ركزت على قدرة التحرر وإمكانيته بمجرد امتلاك الإرادة، وقد يكون اختياره أبيات الأخطل الصغير وبالتحديد "بغداد… قولي لشمسِك لا تغيبي"، رسالة لبنانية بغطاء الشعر للعراق الرسمي وللشعب بأنهم قادرون على استعادة الدولة والنظام والديموقراطية ورفض دولة السلاح الموازي وإنهاء النفوذ الخارجي، وبهذا نكون أمام لبننة بمنهج جديد للعراق والتي تختلف عن تلك التي أراد الآخرون. لبننة عون هدفها العراق المؤثر لا المتأثر والقوي وليس الضعيف.
0 تعليق