إنها صدمة الجيل! - تكنو بلس

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
إنها صدمة الجيل! - تكنو بلس, اليوم الثلاثاء 3 يونيو 2025 04:53 صباحاً

خلق المفاجآت الصادمة يحتاج إلى قدرة عجيبة بين تجارة السياسة وسياسة التجار.

 

الرئيس دونالد ترامب نموذجيّ فى ذلك. وخلال المئة يوم الأولى أوجد عشرات القرارات والمفاجآت؛ جاء بحملة انتخابية دعائية ترفع شعار السلام وإخماد الحروب، وصعد على سلم رجال الإطفاء، ولكن الحرائق اشتعلت في كل مكان؛ من حربه مع البضائع الصينية إلى طلاب الجامعات، وحتى أوكرانيا وبلاد الهند والسند! وكلها حروب لم تتوقف، لنشهد مع العالم صور الحروب بأشكالها المختلفة، أشهرها حتماً حرب الجمارك العالمية، ولكن أكثرها ألماً هذا الدمار الذي يجري في فلسطين.

وما يجرى فى غزة من إبادة هو مشهد دامٍ وإتمام لمرحلة ممتدة منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023. وكأن مرحلة وقف إطلاق النار لخمسين يوماً ما كانت لغير جعل "حماس" تظهر بحماسة زهوها في استعراضات إطلاق الرهائن، وتكشف عمّا كان ينقص إسرائيل من معلومات لإكمال تدميرها للقطاع، وإصابة قادتها؛ وذلك ما يتم الآن. ونتنياهو مستمرّ في غيّه وفراره من الملاحقات القانونية بزيادة ركام المدن ورفع سواتر من جثث الأطفال.

نحن أمام مأساة العصر، وقصة الألم الحادثة في عموم فلسطين لا توصف. إنها تغريبة أكبر وجع للإنسان في العصر الحديث. وما يُثير الدهشة والوجع معاً أن يعيد مسؤولو الكيان الصهيوني قولهم بأن استئناف القصف هذه المرة سيفتح أبواب الجحيم، بينما هي مفتوحة على مصراعيها منذ أكتوبر 2023، أو هي بالأصح لم تغلق أبداً منذ 1948. تلك سخرية مُرَّة، وكأن العيش في هذا الركام الذي نراه هو النعيم.

 

وبعد أسبوع من إعلان وقف إطلاق النار بين إسرائيل و"حماس" في كانون الثاني/يناير، نرى كيف أخبر توم فليتشر، منسق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، مجلس الأمن الدولي بأن "جيلاً كاملاً في غزة قد تعرَّض لصدمات نفسية". وقال فليتشر: "لقد قُتل الأطفال وجُوّعوا وتجمَّدوا حتى الموت"، مضيفاً أن "بعضهم مات قبل أن يلفظوا أنفاسهم الأولى. ماتوا مع أمهاتهم في أثناء الولادة".

الحقيقة التي لا يمكن للأمم المتحدة أن ترصدها أنَّ الصدمة النفسية قد أصابت كلّ جيل هذه الأمة، وليس فقط أطفال غزة، بينما واشنطن مصدومة من طلاب جامعة هارفرد ومدرّسيها، وكيف لايزال في الصرح العلمي الكبير ضمير حيّ، رغم نجاح كل معارك قتل المشاعر في العالم. كيف لحفنة تلاميذ أن يقلقوا النظام العالمي؟ تلك صدمة تحتاج وقفة أوسع، أما نحن في منطقة الصدمات المتتالية فنعيش حرفياً في "غبار" معركة ممتدة على كل المنطقة؛ غبار يحجب الرؤية عن كل متبصر لمعرفة الطريق. ومثل أي زلزال ضخم لن يُحصر الضرر في مركزه فقط، بل سيصيب ما حوله بارتدادات مختلفة.

نعم، هول المأساة لم يبق لنا من ترف غير أن نحصي الضحايا الآن، لا أن نوقف الزلزال. ولكن الصدمة الأكبر المرتقبة تبقى هي ما يتمّ من إعلان مسبق لقتل معلن للقضية الفلسطينية، وهي مربط الفرس في كلّ ما يجري. إنّه إصرارٌ معلن تراه في كلّ بيانات القوى المتحكّمة بالعالم، من واشنطن وحتى قمة الدول السبع، إلى تغوّل إسرائيلي غير مسبوق، إلى حديثٍ لا يتوقف عن التهجير في فلسطين، وإن خفت، وبناء مشروع مستوطنات جديدة لفصل الضفة، وتفجير الوضع في أكثر من بلد في المنطقة ربما لصنع ملامح خريطة جديدة؛ فكل له مشكلته التي لا تجد سبيلاً للحل.

هذا فيلم غرائبي يستعيد مرحلة نهاية الحرب العالمية الأولى، وكيف جرى تقاسم المنطقة وتقسيم بلدانها، ورسم رايات لكيانات جديدة ستصير بلداناً متحاربة بعد سنوات. ونرى كيف يتم التصدي لكل موقف من شأنه وقف الكارثة، وليس آخره محاربة الخطة العربية. خطة "التعافي المبكر وإعادة إعمار وتنمية غزة"، التي تبنتها القمة العربية في القاهرة؛ وهي خطوة أعادت الأمل في إمكانية ظهور موقف عربيّ لوضع رؤية شاملة لإنقاذ غزة، وتصوّر لفتح أفق سياسيّ لتدشين فرصة جديدة، لا تقتصر على التعامل مع أوضاع موقتة، وإنما تستهدف تحقيق السلام العادل. وهذا موقف يمكن البناء عليه، لإعادة لمّ شمل أمّة يُراد لها تمزّق يثير الرعب. وما صور التمزق في اليمن وليبيا وسوريا والسودان والصومال غير مؤشرات لنار مستمرة تطول السهل كلّه.

 

نحن على يقين بأنه ليس ممكناً شطب أمة من الجغرافيا، ولكن يمكن جعلها عبئاً على التاريخ، وفي سعير صراعات لا تنتهي. ذاك هو المسار الواضح الآن على الأقلّ لعقد مقبل من الزمن أكثر مرارة مع تغريبة الوجع هذه. ليبقى سؤال اللحظة كيف ننجو؟ مع يقين حقيقي بأننا سننجو حتماً، ولينجو العالم معنا.

 

*سفير اليمن في المغرب

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق