الأدمغة تغير وجهتها المعتادة: إنه موسم هجرة العلماء الأميركيين إلى ما بعد المحيطات - تكنو بلس

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الأدمغة تغير وجهتها المعتادة: إنه موسم هجرة العلماء الأميركيين إلى ما بعد المحيطات - تكنو بلس, اليوم الخميس 29 مايو 2025 11:04 مساءً

لطالما اتهمت أميركا بسرقة الأدمغة، ولطالما كان هذا الاتهام صحيحاً. هذه البلاد التي أدركت باكراً أن العلوم على أنواعها هي السبيل الوحيد للثروة والتفوق في الميادين كافة، كانت تعمل حرفياً على سرقة المواهب بما استطاعت إليها سبيلاً، إن عبر برامج تسهّل لهم الحصول على الجنسية مقابل علمهم ومهاراتهم البحثية، أو عبر تأمين البنى التحتية اللازمة لجذب هؤلاء من تلقاء أنفسهم، إن علمياً، أو بالحلم الأميركي الموعود.

كذلك، كان الجسم الأكاديمي الهائل فيها باباً آخر لسرقة المتفوقين الذين يقصدونه طلاباً من دول العالم كافة، ليجدوا فرصة عمل تتنظرهم وهم على أبواب التخرج، ليملأوا أماكنهم في آلة إنتاج عملاقة، وليدخلوا في دورة أميركا الدموية، ويصيروا مواطنين. وحين تقرر الأكاديمية السويدية منح نوبل في الفيزياء أو الطب أو الكيمياء، نادراً ما لا يكون عالم أميركي على الأقل من بين التشكيلة السنوية لهذه المجموعة المرموقة من البشر، حتى وصل عدد الجوائز المسجلة باسم الولايات المتحدة في عام 2023 نحو 400، ليسوا كلهم أميركيون بالضرورة لكنهم نالوها بناء على انجازاتهم في أميركا. وهم من أصل نحو 957 فائزاً يضعون أميركا في مقدمة الدول الحائزة على نوبل، بينما تقع بريطانيا بعيداً في المركز الثاني بـ 110 جوائز.

وفي بلد يسعى إلى التفوق الاقتصادي والعسكري والتكنولوجي والطبي والهندسي، العلماء ومراكز الأبحاث والجامعات والمختبرات ليسوا ترفاً بل حاجة أساسية لضمان الحفاظ على الهوة الواسعة في التفوق بينه وبينه باقي الكوكب. أيضاً، فإن هذا المجتمع العلمي بحاجة إلى استقرار سياسي يحافظ على استمرار موسم هجرة الأدمغة إليه من خلف المحيطات، كما جرت العادة، وليس كما يحصل الآن، من هجرة معاكسة للعلماء والباحثين خارج أميركا.

إن الأرقام التي خلص إليها استطلاع رأي أجرته مجلة "نايتشر" قبل أيام صادمة. من أصل 1650 مستطلعاً يعرف عن نفسه بأنه عالم، قال نحو 1200 منهم إنهم يسعون إلى عمل في بلد آخر. وهذا يعني 75 في المئة من المستطلعين. مذ فاز دونالد ترامب بالرئاسة والأرض أسفل أقدام المجتمع العلمي برمته تخسر صلابتها ويزداد اهتزازها. الرئيس، مثلاً، لا يؤمن بالاحتباس الحراري. وزير الصحة في إدارته، روبرت إف كينيدي جونيور، يربط اللقاحات بكل الشرور الصحية ويشكك أنها خلف التوحد وخلف أمراض مزمنة أخرى. وزير خارجيته ماركو روبيو قرر تعليق منح تأشيرات للطلاب حول العالم بانتظار فحص حساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي بحثاً عما لا يعرفه أحد بدقة. وإيلون ماسك، الموظف الحكومي الخاص مدير وحدة كفاءة الحكومة (دوغ) شن حرباً خاطفة على القطاع الفدرالي فاختفت عشرات آلاف الوظائف ومنها باحثون وعلماء في قطاعات أساسية متعددة، كما ألغى تمويل برامج بحثية لا تُعد ولا تحصى. هذا كله بينما تخوض جامعات عريقة معركة وجود أمام تهديدات ترامب، إما بقطع التمويل أو بمنع انضمام الطلاب الأجانب إليها، إذا ما تمنعت عن تطبيق سياسات تتعلق باستقلاليتها في كيفية التعامل مع الخطاب السياسي لطلابها أو طاقمها التعليمي، أو بناء على أي أسس تختار موظفيها.

لا أرقام واضحة حول أعداد المتسربين خارج الولايات المتحدة، لكن المؤشرات تأتي من أوروبا التي لا ترحب بلدانها بمجيء العلماء إليها فحسب بل إن دولاً مثل فرنسا وهولندا أطلقت مشاريع دعم باحثين أميركيين بملايين الدولارات وتلقت مئات الطلبات للإنضمام إليها. العلماء يساوون وزنهم ذهباً، كما قال مسؤول هولندي تعليقاً على جهد بلاده في جذب الخبرات الأميركية إليها، بينما قد تخسر الولايات المتحدة جيلاً كاملاً من العلماء الشباب، بحسب مقال لنيل باتل في "نيويورك تايمز"، بسبب سياسات الإدارة الحالية.

المقال يعرض لنماذج باحثين في مقتبل العمر باتوا بلا عمل في مجالات أبحاث السرطان والسكري وغيرهما من الأمراض المزمنة، وصولاً إلى الخلايا الجذعية. هؤلاء يقولون إنهم أمام خيارين: البقاء في الولايات المتحدة، أو البقاء في العلوم. معظمهم يفضل الثانية على الأولى مجبراً.

أميركا التي مشت بخطىً واثقة إلى صدارة العالم في القرن العشرين، استفادت من ثرواتها المترامية في جذب العقول، وكذلك من ترويجها لرسوخ  الحرية الفردية والديموقراطية وتبجيل روح المبادرة والقدرة على تحقيق الأحلام والاندماج المجتمعي وغيرها من القيم والحقوق التي كانت تنفيه عن البلاد الخاضعة لأنظمة شمولية. الرياح الآن توحي بعكس ذلك، ومع الرياح الجديدة ينعكس موسم الهجرة. 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق