نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
عن أية انتخابات بلدية تتحدثون؟ - تكنو بلس, اليوم الأربعاء 28 مايو 2025 11:45 صباحاً

من تابع بأمانة ودقة موضوعية سير الانتخابات البلدية وما رافقها من حملات تجييش سياسي وإعلامي، لا يحتاج إلى كثير عناء حتى يكتشف أن شبكة المصالح والنفوذ قد جرى تبادلها بشكل سلس بين العائلات والأحزاب تحت مظلة الطوائف
محمد عبد الله فضل الله
من تابع بأمانة ودقة موضوعية سير الانتخابات البلدية وما رافقها من حملات تجييش سياسي وإعلامي، لا يحتاج إلى كثير عناء حتى يكتشف أن شبكة المصالح والنفوذ قد جرى تبادلها بشكل سلس بين العائلات والأحزاب تحت مظلة الطوائف. والأنكى استعمال خطاب إصلاحي تغييري يبقى صورياً، إذ أن القضية هي اعتبار ما جرى محطة لإعادة إنتاج السلطة ذاتها وإعطائها بعداً شعبوياً مع بقاء هذه السلطة بيد الأقلية الحزبية والطائفية المتنفذة والتي تسيطر على المشهد الاجتماعي والسياسي العام .
هو تحالف رأس المال والسياسة تحت المظلة الطائفية والحزبية بغية التحكم بمفاصل الحياة العامة وإبقاء هذه الأقلية ومستشاريها متسيّدة عند كل الطوائف، وبدل أن تترك هذه الانتخابات للناس ورفع اليد عن إدراتها حزبياً وفتح المجال للأكفياء، رأينا الاستقطاب الحاد للناس تحت عناوين وشعارات شعبوية ووعود مدوية لا يساعد الواقع المالي والاجتماعي على تنفيذ أبسطها .
باعتقادي إن البناء المجتمعي المحلي تتشابك فيه المصلحة إلى حد كبير بين عائلات ترى في نافذتها الحزبية إطلالة على العالم، وبين أحزاب ترى في العائلات خزاناً بشرياً لها لتنفيذ أجندتها - والغائب الأكبر هي التنمية الحقيقية - التي لا بد من أن تكون من خلال إشراك أصحاب الكفاءة حصراً، لا تركيب لوائح وإسقاط أسماء لتمشية الحال وترسيخ موازين القوى، ونكون إذذاك أمام مجالس بلدية منغلقة بعضها على بعض لا تعبر عن نبض المجتمع وتطلعاته، بل تثبت سلطة الأحزاب والانتماءات العائلية والطائفية وميزان القوى الذي يحمي النظام القائم .
لفتت دراسة لـ"المرصد البرلماني" التابع لـ"المفكرة القانونية"، نشرت في مارس (آذار) 2023 تحت عنوان "ربط الحقوق السياسية بمكان القيد أو كيف فقدت الانتخابات البلدية وظيفتها؟"، إلى أن "الانتخابات البلدية تشكل فرصة ثمينة لإعادة التفكير بعلاقة المواطن في لبنان بما يعرف بضيعته، أي مكان قيده في السجلات الرسمية، فالنظام الانتخابي السائد اليوم يفصل بين مكان الإقامة الفعلية للفرد والدائرة الانتخابية التي يمارس فيها حقه بالمشاركة في الانتخابات البلدية والنيابية، إذ قد يكون الإنسان ترك مكان قيده الأصلي منذ زمن بعيد وانفصلت عملياً مصالحه الحياتية عنه، لكنه مرغم على العودة الى ضيعته، كي يمارس حقه بالاقتراع. وأن مراجعة تطور التشريع في لبنان تظهر أن هذا الواقع القانوني الذي يعتبر اليوم من المسلمات، لم يكن دائماً كذلك، بل عرف تعديلات هدفت إلى الحد من حرية المواطنين من خلال ربطهم الدائم بمكان قيدهم الرسمي، إذ تكثر وسائل السيطرة السياسية والتصنيف الطائفي لهم".
الضيعة تجد سندها القانوني في القرار الرقم 763 الصادر في التاسع من آذار عام 1921 عن المفوض السامي الفرنسي، الخاص بإجراء إحصاء عام لسكان ما تعرف بدولة لبنان الكبير، إذ نادت المادة الخامسة من القرار بتشكيل لجان إحصاء في كل قضاء تقوم بالانتقال إلى كل قرية من قرى القضاء لأجل إحصاء السكان وتسجيلهم ضمن دفاتر خاصة تتضمن مكان إقامتهم الفعلية، على أن يجري لاحقاً إصدار "تذاكر نفوس" تتضمن جميع المعلومات الإحصائية.
هكذا تحول مكان السكن عام 1921 إلى قريتهم أو محلتهم، ولا يخفى ما لهذا المشهد من تداعيات على صعيد الحريات السياسية وما يعنيه ذلك من أن الانتخابات البلدية لم تعد تهدف إلى مشاركة المواطن في العمل البلدي لجهة إنماء القرية، بل باتت تعبر عن عصبية مناطقية تعكس هواجس الفرد لجهة هويته الطائفية والمناطقية، وشد عصب هذه الجماعة أو تلك .
لم تكن الانتخابات البلدية اختباراً جدياً بقدر ما كانت محطة لإعادة إنتاج ما هو قائم أساساً في ظل غياب قوى التغيير الحقيقية وعدم جعل الخدمات الإنمائية المعيار الذي يفرض من يكون أجدر بقيادتها.
ما نتعلمه من كل ذلك أن الانتخابات سواء البلدية أو النيابية أو الطالبية أو النقابية عموماً لم ترق بعد إلى مستوى الإحساس بالانتماء الوطني الفعلي، بل تعكس عند كل محطة الروح الطائفية والمذهبية والجهوية الضيقة والتعصب للأشخاص والجهات على حساب الحس الوطني والمشروع والرؤية المتوازنة.
يبقى الأمل في قابل الأيام في إيجاد أرضية انتخابية مرتكزة الى نضج الوعي الفردي والجماعي بأهمية صوته واختياره للأصلح والأكفأ، في ظل قانون انتخاب عصري وطني يخرجنا من ذهنية الطوائف والحصص والشخصنة ويدخلنا في ذهنية الدولة العادلة.
المقاربة الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة رأي مجموعة "النهار" الاعلامية
0 تعليق