في تطور مفاجئ أثار جدلاً واسعاً داخل الأوساط الفنية والسياسية التركية، أصدرت محكمة تركية حكماً بالسجن على النجم المعروف خالد أرغنتش، بطل مسلسل "حريم السلطان"، بعد إدانته بـ الإدلاء ببيان كاذب خلال شهادته في القضية المتعلقة بمديرة شركة العلاقات العامة الشهيرة، عائشة باريم، المتهمة بالتخطيط لاحتجاجات حديقة غيزي عام 2013.

من الشهادة إلى الإدانة

تعود القضية إلى يناير 2025، حين أُلقي القبض على باريم، والتي تُعرف إعلامياً بلقب مديرة المشاهير، بتهمة تنظيم مظاهرات حديقة غيزي، التي شكّلت حينها أحد أبرز الاحتجاجات السياسية في تاريخ تركيا الحديث. وبموجب التحقيقات، تم استدعاء عدد من الفنانين الذين وردت أسماؤهم في سياق القضية، من بينهم خالد أرغنتش، رضا كوجا أوغلو، دولوناي سويسرت، ومحمد غونسور، للإدلاء بشهاداتهم.

لكن وبشكل غير متوقع، تحولت شهادة أرغنتش وكوجا أوغلو إلى تهم ضدهما. فقد اتهمتهما النيابة العامة بتقديم معلومات كاذبة، رغم تأكيدهما في الإفادات أنهما شاركا في الاحتجاجات بمحض إرادتهما، دون أي توجيه من باريم أو صلة مباشرة بالممثل محمد علي ألابورا، المتهم أيضاً بالتخطيط لتلك المظاهرات، والمقيم حالياً خارج تركيا.

تفاصيل الحكم وأقوال أرغنتش

في الجلسة الأخيرة للمحكمة، أُدين خالد أرغنتش وحُكم عليه بالسجن لمدة عام و10 أشهر و15 يوماً، فيما صدر حكم بالسجن لعام و8 أشهر ضد رضا كوجا أوغلو. وعلى الرغم من صدور الأحكام، إلا أن المحكمة قررت تأجيل إعلان تنفيذها، مما يتيح المجال للاستئناف.

خلال الجلسة، دافع أرغنتش عن نفسه قائلاً: "أُخذت إفادتي كشاهد ولم أكذب. الصدق مسألة نسبية، فالتعامل في الوسط الفني متشابك، وقد نكون ودودين مع كثيرين دون معرفة تفاصيل حياتهم أو نواياهم". وأضاف: "أتمنى لو كنت قد رفعت دعوى مضادة حينها ضد الاتهامات الغامضة التي رافقت نشر صوري عبر مواقع التواصل الاجتماعي".

وبعد صدور الحكم، وجه أرغنتش سؤالاً مباشراً إلى القاضي: "هل يعني هذا أنني كذبت؟"، فأجابه القاضي بإمكانية تقديم استئناف، وهو ما أكده أرغنتش بقوله: "سنستأنف".

خلفية القضية: باريم واحتجاجات غيزي 

تتهم النيابة العامة في إسطنبول عائشة باريم بالتخطيط والمشاركة في تنظيم احتجاجات حديقة غيزي، التي انطلقت في مايو 2013 في ميدان تقسيم بإسطنبول احتجاجاً على مشروع تجاري يهدد إحدى الحدائق العامة. ومع تصاعد التوتر بين الشرطة والمتظاهرين، تحوّلت الاحتجاجات إلى حراك شعبي عمّ معظم المدن التركية.

وبحسب لائحة الاتهام، فقد زعمت النيابة أن باريم وجهت فنانين تابعين لشركتها للمشاركة في الاحتجاجات، وأنها كانت على اتصال مكثف خلال تلك الفترة مع عثمان كافالا، المعتقل حالياً بتهمة محاولة الإطاحة بالحكومة، ومعه منتجة الأفلام تشيغدم ماتر، والممثل محمد علي ألابورا.

وقد طالبت النيابة العامة بإنزال عقوبة السجن لمدة 30 عاماً على باريم، استناداً إلى اتهامات تتعلق بـ محاولة الإطاحة بجمهورية تركيا أو منعها من أداء واجباتها. وتم تفتيش منزلها ومكتبها قبل توقيفها، ووصفتها بعض الصحف المحلية بـ"رأس الحربة في تنسيق دعم الفنانين للحراك الشعبي آنذاك".

دعم فني واسع وغياب ألابورا

لم يكن خالد أرغنتش الوحيد من بين المشاهير الذين أبدوا تأييدهم للاحتجاجات. فقد شهدت تلك الفترة مشاركة علنية لعدد من الأسماء البارزة في عالم السينما والتلفزيون، كما تلقت بعضهم لاحقاً تهديدات أو خضعوا لتحقيقات، وعلى رأسهم الممثل محمد علي ألابورا، الذي غادر البلاد ويعيش حالياً في الخارج بعد اتهامه بالتحريض.

ويُذكر أن محكمة حقوق الإنسان الأوروبية طالبت في ديسمبر 2019 بالإفراج عن عثمان كافالا، معتبرة أن اعتقاله تعسفي، إلا أن تركيا لم تنفذ الحكم حتى اليوم، ما زاد من حدة الانتقادات الدولية المتعلقة بحرية التعبير وحقوق الإنسان في تركيا.

تفاعل الرأي العام وأصداء الحكم

أثار الحكم على خالد أرغنتش، المعروف بجماهيريته الكبيرة داخل تركيا وخارجها، موجة من التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي. دافع عنه كثيرون، معتبرين أن القضية ذات طابع سياسي، بينما رأى آخرون أن الفن والفنانين يجب أن يظلوا بمنأى عن التدخلات السياسية.

كما أعرب بعض النقاد عن خشيتهم من تأثير هذه الأحكام على حرية التعبير في الأوساط الفنية، خصوصاً مع ارتفاع عدد القضايا المرتبطة بتصريحات أو مواقف سياسية لفنانين في السنوات الأخيرة.