نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
ورد... من طيف التوحد إلى منصات التكريم العالمية - تكنو بلس, اليوم الأحد 18 مايو 2025 07:58 صباحاً
لاحظت دينا، والدة ورد، أن ابنتها تختلف عن باقي الأطفال في صفها، فرغم ذكائها وفطنتها وسرعة بديهتها، راودتها بعض الشكوك. ومع مرور الوقت، وبدافع القلق الأمومي، تابعت حالتها عن كثب. وبعد سنة ونصف من المراقبة والتقييم من قِبل أحد المختصين، تم تشخيص ورد بطيف التوحد، وسُجّل ذلك رسميًا عندما بلغت الخامسة من عمرها.
بالرغم من لغة ورد الغريبة نوعاً ما، لم تستسلم الأم، بل واصلت ملاحظتها الدقيقة لها. ومع الوقت، لاحظت أن ورد تمتلك شغفاً بالرسم، رغم غياب التعابير الواضحة عن وجهها، حتى الضحكة لم تُرَ عليه سوى مرة واحدة، عندما دخلت عليها وهي ترسم على جدران غرفة الجلوس. كانت الأم تنوي معاتبتها، لكنها فوجئت بابتسامة لم ترها من قبل. ومنذ ذلك الحين، أصبح الرسم لغة ورد الرسمية التي تعبر بها عمّا تشعر.
لورد طقوسها الخاصة حين تقرر الرسم. تمشي ذهاباً وإياباً لنصف ساعة، كحارس قلعة يتفقد أسوارها، ثم تدخل غرفتها المخصصة للرسم، وتغلق الباب خلفها بطلبٍ واضح: "من فضلكم، لا تزعجوني حتى أنتهي".
منذ عامين، شاركت الطفلة ورد في مسابقة فنية عالمية نظمها نادي Peace International Club. وبمنافسة ضمّت أكثر من 800 ألف لوحة من مختلف أنحاء العالم، تمكّنت ورد من حصد المركز الأول في عدّة دول، واحتلت المرتبة الرابعة عالمياً.
جاء موضوع المسابقة تحت عنوان "الاحتواء"، فرسمت ورد لوحة تعبّر فيها عن علاقتها بجدّها، حيث صوّرت نفسها واقفة إلى جانبه في مشهد رمزي ينقل تفاصيل انتقال خبرات الحياة وتحدّياتها من الجد إلى الحفيدة، كأحد أشكال الاحتواء العاطفي والروحي.
لفتت اللوحة أنظار لجنة التحكيم، ولاحظ أحد أعضائها وجود رموز دقيقة في الرسم مثل الطاقة، الحب، العائلة، الدين، والمشاكل، وهي رموز تعبيريّة غالباً ما يستخدمها الأشخاص المصابون بطيف التوحّد، ما أثار دهشة اللجنة من عمق الوعي الذي تمتلكه ورد، رغم أنّها لم تكن تتجاوز الثانية عشرة من عمرها آنذاك.
وتروي دينا، والدة ورد، في حديثها لـ"النهار" قائلة: "أثارت اللوحة إعجاب أستاذة ورد، فاختارتها لتكون ضمن إصدارها الجديد الذي يتناول موضوع التوحّد، إلى جانب رسمة أخرى أبدعتها ورد أيضاً".
وتضيف دينا: "في مناسبة أخرى، شاركت ورد في معرض مستوحى من قصة Le Petit Prince، فرسمت ما يقارب 50 لوحة قامت بتحويلها إلى فيديو قصير. ولم تمضِ فترة قصيرة حتى وصلنا بريد إلكتروني رسمي يدعونا إلى فرنسا لتسلّم جائزة تقديراً لجهود ورد الفنية
تسترجع دينا ذلك اليوم عندما قالت، بجملة كل الأمهات الشهيرة: "رح أترك البيت وما حدا رح يعرفلي طريق!"، فما كان من ورد إلا أن ردّت عليها بطريقتها الخاصة، برسمٍ فكاهي يُجسّد الأم وهي تهرب من البيت وسط دراما كوميدية!
لم تتوقّف مهارات ورد عند الرسم فحسب، بل امتدت إلى مجالات إبداعية أخرى أبرزت نضجها الفني والإنساني في سنّ مبكرة. فقد كتبت وأخرجت وأنتجت فيلماً قصيراً بنفسها، اختارت فيه بعناية كل تفاصيل العمل، من موقع التصوير إلى اختيار الممثلة.
تناول الفيلم موضوعاً إنسانياً دقيقاً يتمحور حول معاناة المصابين بفصام الشخصية، مسلّطاً الضوء على ما يواجهونه من تدهور نفسي حاد عند إهمال العلاج والدواء.
وقدّمت ورد هذا العمل بأسلوب يفيض بالوعي والتعاطف، ما أهّل فيلمها للفوز بالجائزة الأولى، والتأهل إلى النهائيات في مهرجان السينما الكندي للأفلام القصيرة عن فئة الشباب، بعد أن عُرض ضمن البرنامج الرسمي للمهرجان
قصة ورد ليست مجرد حكاية طفلة مصابة بطيف التوحد، بل شهادة حيّة على أن الاختلاف قد يكون منبعًا للإبداع، وأن الاحتواء الحقيقي يفتح أبواباً للمعجزات الصغيرة. بإصرار أمّ، وموهبة استثنائية، صنعت ورد من عالمها الخاص لغةً يفهمها الجميع: لغة الفنّ، التي لا تحتاج إلى كلمات.
0 تعليق