نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
حين أعادت الرياض رسم الشرق الأوسط في عقل ترامب - تكنو بلس, اليوم الأحد 18 مايو 2025 05:45 صباحاً
بشارة جرجس*
خلال زيارة وُصفت بأنها الأقوى ديبلوماسياً منذ اتفاقيات أبراهام، ألقى الرئيس الأميركي دونالد ترامب خطاباً أمام منتدى الاستثمار السعودي–الأميركي، مشيداً بـ”التحوّل التاريخي” الذي تقوده المملكة. لم يُخفِ انحيازه الصريح لوليّ العهد الأمير محمد بن سلمان، بل أكّد أن ما جمعهما قبل ثماني سنوات يتكرّس اليوم كشراكة استراتيجية متكاملة، تتجاوز المال والسلاح نحو رؤية جديدة لإعادة هيكلة المنطقة.
لكن ما لم يُقل في كلمات ترامب، قيل في ما لم يفعله: لم يزر إسرائيل. تجاهل تل أبيب، ولو مؤقتاً، وفضّل أن يمنح صوته وصورته وموقفه السياسي للرياض.
إسرائيل خارج الإطار
الرسالة لم تكن رمادية. فاستبعاد إسرائيل لم يكن تفصيلاً بروتوكولياً، بل تعبيراً مدروساً عن أولويات جديدة. تل أبيب، التي لطالما كانت الوجهة الأولى في أجندة الرؤساء الأميركيين، وجدت نفسها هذه المرة خارج المشهد، ولو مؤقتاً. الملفات الكبرى نُسّقت دونها، والتصريحات الحاسمة صيغت بلهجة تتجاوز حساباتها التقليدية.
ترامب، الذي فاخر بصفقة القرن في ولايته الأولى، بدا في ولايته الثانية أكثر واقعية. عبّر عن تعاطفه مع سكان غزة، وصرّح بأنهم يُعامَلون بطريقة لا تُحتمل. عبارة واحدة، لكنها كانت كافية لقلب معادلة الخطاب السابق، وسحب ورقة التفويض المفتوح من يد إسرائيل.
الرياض تتقدّم: سوريا، لبنان، وفلسطين
في ظل هذا التموضع الجديد، بات واضحاً أن السعودية تُعيد رسم أبجديات المنطقة. من سوريا، حيث أعلن ترامب من الرياض رفع العقوبات الأميركية، وصولاً إلى لقائه بالرئيس السوري الجديد، أحمد الشرع، برعاية سعودية مباشرة، في خطوة غير مسبوقة تُكرّس التحوّل في سياسة واشنطن.
في لبنان، تتلاقى الرؤية السعودية مع الموقف الأميركي في الدعوة لاستعادة الدولة وتقليص نفوذ "حزب الله" دون الانزلاق إلى مواجهة مباشرة. وفي فلسطين، تتمسّك السعودية بموقفها المبدئي: لا تطبيع بلا دولة فلسطينية، ولا سلام من دون عدالة.
السعودية لم تعد طرفاً إقليمياً ضمن محور، بل أصبحت الضلع العربي الأول في شراكة ثلاثية غير مُعلنة مع واشنطن، تُعيد ترتيب التوازنات بشروطها. أما إسرائيل، فهي لا تزال شريكاً، لكنها باتت مطالبة بمجاراة التحوّلات، لا قيادتها.
حين يُكتب الشرق الأوسط من الرياض
للمرة الأولى منذ عقود، يُعاد تشكيل خريطة الشرق الأوسط من الرياض لا من تل أبيب. في شراكة ترامب–بن سلمان، ثمّة ما يتجاوز الاتفاقات والصفقات، بل مشروع متكامل يُعيد تعريف الدور العربي في قلب المعادلة الإقليمية، لا على هامشها.
في مباراة النفوذ الجيوسياسي، سجّلت السعودية هدفاً نظيفاً في مرمى إسرائيل. النتيجة ليست نهائية، لكن الشوط الأول انتهى بوضوح: الرياض أولاً.
سوريا ولبنان: التحولات الاستراتيجية
شكّل اللقاء المفاجئ بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والرئيس السوري الجديد أحمد الشرع في الرياض، لحظة مفصلية في سياسة واشنطن الشرق أوسطية. الإدارة الأميركية، التي كانت قد وصفت الشرع سابقاً بـ”الرئيس المؤقت”، بدت مستعدة اليوم لمنحه شرعية دولية، ودعته صراحة إلى الانضمام إلى اتفاقيات أبراهام التي رعاها ترامب في ولايته الأولى.
رفع العقوبات عن سوريا، رغم الخلفية الإشكالية للشرع، يُقرأ كتغيير جذري في سياسة واشنطن، مدفوعٌ باعتبارات استراتيجية لا أيديولوجية: إعادة سوريا إلى الحضن العربي، تطويق نفوذ إيران، وتفكيك شبكات التطرّف المسلّحة في المشرق. اللقاء التاريخي، بحضور وليّ العهد محمد بن سلمان، لم يكن استعراضاً بروتوكولياً، بل تتويجاً لدور سعودي صاعد يعيد هندسة توازنات الإقليم.
إسرائيل، التي اعتبرت سوريا الإسلامية تهديداً لا يقل عن النووي الإيراني، تجد نفسها اليوم خارج المسار التفاوضي الجديد. مشروع دمج سوريا في تسوية إقليمية تقودها واشنطن والرياض يُقلّص هامش المناورة الإسرائيلي، ويضع حكومة بنيامين نتنياهو في موقع المتفرّج القلق من تحوّلات لم تعد تتحكم بها.
وفي هذا السياق، جاء لبنان. في تصريحات واضحة، عبّر ترامب من الرياض عن دعم كامل لـ”لبنان الجديد”، مشيداً بقيادته الحالية التي وصفها بـ"المحترفة والجدية”، لكنه ربط هذا الدعم بشروط حاسمة: التحرّر من هيمنة "حزب الله"، واستعادة القرار السيادي الكامل. وتعهّد بأن تواكب واشنطن وعودها بأفعال: إعادة إعمار، استثمارات، ودعم اندماج لبنان في المنظومة الاقتصادية الإقليمية، إذا ما التزم بشروط الإصلاح والسيادة.
تلك الرسالة الأميركية–السعودية المشتركة لا تحمل طمأنينة مجانية، بل فرصة مشروطة. لبنان اليوم أمام مفترق: إما الالتحاق بالمسار العربي–الدولي، بما يفرضه من تحوّلات داخلية عميقة، أو الاستمرار في الدوران داخل أزماته البنيوية، مع ما يرافق ذلك من عزلة وانهيار.
اقتصادياً، تتيح هذه التفاهمات لحظة نادرة: الانفتاح السوري المتوقع قد يفتح أبواباً جديدة أمام لبنان – تجارياً، مالياً، وحتى إنسانياً. فاستقرار دمشق من شأنه أن يُخفّف الضغط عن الحدود اللبنانية، ويعزز فرص عودة النازحين السوريين.
لكن المكاسب المحتملة رهن بشرط أساسي: القدرة اللبنانية على الترجمة: إصلاح الدولة، إنهاء ازدواجية السلاح، تحرير المخيمات الفلسطينية من سلاح الفصائل، وترسيخ هيبة المؤسسات. إنها ليست شروطاً تعجيزية، بل عناوين لفرصة أخيرة كي يستعيد لبنان موقعه الطبيعي في شرق أوسط يُعاد تشكيله الآن.
الخريطة تُرسم في الرياض. والنافذة مفتوحة. والسؤال الآن: هل يتحرّك لبنان في الاتجاه الصحيح، أم يُفوِّت هذه اللحظة كما فعل مراراً وتكراراً؟
*كاتب سياسي
-المقاربة الواردة في المقال قد لا تعكس بالضرورة رأي مجموعة "النهار" الإعلامية.
0 تعليق