كانّ 78 - "المُبتَلَعة": هكذا ابتلعت الخرافات إيميه - تكنو بلس

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
كانّ 78 - "المُبتَلَعة": هكذا ابتلعت الخرافات إيميه - تكنو بلس, اليوم السبت 17 مايو 2025 07:13 مساءً

الشخصية الرئيسية: إيميه (غالاتيا بيلوجي) أستاذة شابة. مهمّتها: تعليم القراءة والكتابة لسكّان المنطقة الذين يعيشون في ظلام الجهل والخرافات التي تتحكّم بمصائرهم. في بداية الفيلم، نراها في أحد المشاهد الأولى وهي تقرأ ديكارت، وقد بدأت مهمّتها في هذا المكان النائي. الفيلم ممتلئ بشخصيتها الساحرة وحضورها الغامض، تطلّ علينا كما لو انها تجسيد لميثولوجيا، ستأتي وترحل حاملةً سرها معها.

تدور العقدة الأساسية في ”المبتلعة“، أول أعمال المخرجة الفرنسية الشابة لويز إيمون، الذي عُرض في قسم "أسبوعا صنّاع السينما“، على أفكار إيميه ومعتقداتها التي سيواجهها الكثيرون بالسخرية. ورغم ذلك، مع مرور الوقت، ستبدأ الأمور في التلاشي. فبينما يظهر بعض السكّان، خاصةً الأطفال، استجابة معينة لفكرها، فإن إيميه نفسها لن تبقى على حالها. البيئة الجديدة التي دخلتها ستترك تأثيراً كبيراً عليها. احتكاكها المتواصل بالآخرين، وخصوصاً الشباب منهم، سيزرع في قلبها رغبة غريبة، وكأنها تدخل في حوار غير معلن بين الأزمنة المختلفة، وبين المعتقدات المتناقضة وأنماط الحياة المتباينة.

 

فيلم بين النور والظلمة.

 

القرية النائية تحمل في طياتها سراً. سكّانها لا يعرفون من العالم الخارجي سوى بلدين: كاليفورنيا والجزائر. ذلك لأن هذين المكانين ارتبطا في خيالهم بنوع من الأساطير التي لا تنتهي. تصل إيميه إلى القرية بوجه ناعم وجميل، وفي البداية يشعرها السكّان بالخوف، لكن سرعان ما تُبتَلع تدريجياً من هذا العالم، وتصبح جزءاً من هذا الكلّ الغريب. أمام تخبّط المرجعية الأولى (العقل)، يزداد الرهان على الغريزة وحاجاتها البيولوجية التي توحّد البشر، فتجرفها في رحلة نقيضة لمهمّتها. 

ولن تكون الوحيدة التي تُبتَلع؛ إذ ستسهم عاصفة ثلجية في تغطية القرية، في مشهد تحوّله إيمون إلى لوحة انطباعية. لن تقتصر العاصفة على المكان فحسب، بل ستمتد لتطال البشر، إذ يختفي أحد القرويين ويُعتقد أنه قد ذهب إلى الجزائر بعد أن ضل طريقه. والثلوج كثيفة إلى درجة ان السكّان يضطرون إلى ”دفن“ جثّة رجل متوفى على سطح الكوخ الذي تسكن فيه إيميه، فلا مكان آخر يضمن ألا تلتهمه الحيوانات المفترسة!

تقدّم لنا إيمون رؤية بصرية كلاسيكية، مع كادرات تعكس اهتماماً بإغراء البصر وإعادة إحياء التفاصيل الحسية للماضي. تتسم الصور بضيق في الزوايا، حيث يهيمن اللونان الأساسيان: البياض الناصع في الخارج والعتمة المظلمة في الداخل، ممّا يخلق تبايناً رائعاً يعبر عن الصراع بين النور والظلام. الخيارات البصرية لها يد طولى في بث احساساً بالانغلاق رغم الطبيعة الشاسعة التي تحيط بالفيلم.  يبدو كلّ شيء مضبوطاً بدقّة، يتبلور تحت سيطرة مخرجة بدأت للتو مسيرتها خلف الكاميرا.

 

خلال العرض الأول في 'أسبوعا صنّاع السينما'.

خلال العرض الأول في 'أسبوعا صنّاع السينما'.

 

لكن على المستوى المفهومي، يصعب فهم الرؤيا الدقيقة للمخرجة، المليئة بالفجوات السردية والبُعد الصوفي، فتيمة الحضارة التي تطرحها في البداية تظهر على أنها ثقل ثقيل، إذ تنقلب سريعاً لتركّز على فكرة الفيلم نفسها، ممّا يعكس حيرة في سرد الأحداث. لافتة أيضاً هي اللحظة التي تدرك فيها إيميه أن الانغماس في الخرافات والجهل قد يمنحها حياة أكثر بساطة وسهولة، من دون الحاجة لمواجهة تعقيدات الحياة. هكذا تلقيتُ الفيلم، وقد تكون له قراءات أخرى، أكثر تعقيداً ربما. 

لا تخفي إيمون انبهارها بالقرية، متحدثةً عن ”واقعية سحرية“ في مقاربتها للجانر الذي ينتمي اليه الفيلم، مع العلم انها استلهمت حكاية الفيلم من قصص سمعتها من عائلة أمّها عن بعثات علمانية كانت تُرسل إلى هذه البقع الجغرافية البعيدة لنشر الفكر المناقض للدين. هناك المخرجة وبطلتها وهناك الفيلم وسكّانه، والمواجهة واضحة بين الطرفين، حتى ان ثمة مشهد يحكي عن الإيمان غير العاقل. فنساء القرية يعترضن على اقدام إيميه على كتابة قصّة معينة، معتقدين بأن وضعها على دفتر ستقتل تلك القصّة. أليس هذا نقيض ما تفعله السينما التي تخلّد الحكايات من خلال التقطاها في فضاء مادي محدود؟

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق