نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
زر الإعجاب: سلوك بسيط بجذور عصبية معقّدة - تكنو بلس, اليوم الخميس 15 مايو 2025 09:26 صباحاً
كل يوم، يضغط ملايين البشر حول العالم على زر "الإعجاب" في تطبيقات مثل "إنستغرام" و"فايسبوك". لكن هذه النقرة البسيطة ليست مجرّد استجابة رقميّة عابرة، بل تعكس ميولاً عصبيّة وسلوكيّة تشكّلت عبر ملايين السنين من تطور الإنسان.
في عام 2018، أجرى فريق من علماء الأعصاب، بقيادة لورين شيرمان، دراسة شملت 58 شاباً، تتراوح أعمارهم ما بين 13 و21 عاماً. طُلب من المشاركين اختيار صور نشروها أخيرًا على "إنستغرام"، ثمّ عرضت عليهم هذه الصور عبر واجهة تحاكي التطبيق، وتضمّ زر الإعجاب، بينما كانوا في داخل جهاز التصوير بالرنين المغناطيسي (fMRI). أظهرت النتائج أن رؤية الصور التي تحظى بعدد كبير من الإعجابات حرّكت نشاطاً واضحاً في مناطق متعدّدة من الدماغ، ولا سيما تلك المسؤولة عن المكافأة، الإدراك الاجتماعي، التقليد، والانتباه.
يرتبط ذلك بإفراز مادة "الدوبامين"، التي تُعرف بأنها إشارات المتعة في الدماغ، والتي تتفاعل مع أنشطة عديدة مثل التسوّق، تناول الطعام، المقامرة، الصلاة، الرقص، وتصفّح الإنترنت. وهذا ما يفسّر الإحساس الصغير بالرضا الذي نشعر به عند تلقّي الإعجابات أو منحها.
لكن لماذا نحبّ أن نحصل على إعجاب؟ ولماذا نميل إلى الإعجاب بما نراه محبوباً لدى الآخرين؟ الإجابة تكمن في جذورنا البيولوجية. فالبشر، على عكس معظم الكائنات، تطوّر لديهم ما يعرف بـ"التعلّم الاجتماعي"، وهو القدرة على التعلّم من تجارب الآخرين من دون الحاجة لخوضها مباشرة. هذا النمط من التعلّم منح أسلافنا ميزة تطورية واضحة: تجنب الأخطاء وتكرار النجاحات.
كذلك يميل الإنسان إلى "التماثل"، أي الانجذاب نحو من يشبهونه. فحين نرى أن أشخاصاً يشبهوننا أحبّوا شيئاً ما، نثق أكثر بأن هذا الشيء مناسب لنا أيضاً. وهذا التماثل ليس فقط وسيلة للتقارب الاجتماعي، بل آلية فعّالة في التعلّم والتكيّف.
في المجتمعات الحيوانية، يتصدّر القادة من خلال القوة، لكن البشر طوّروا ما يُعرف بـ"الهرمية الناعمة"، حيث يُنظر إلى الأفراد البارزين كمصادر للمعرفة، وليس كأصحاب سلطة. ولهذا السبب، غالباً ما يُنظر إلى من يحصلون على الكثير من الإعجابات كأشخاص يستحقون المتابعة والتقدير، لا بسبب سلطتهم، بل لأنهم يقدّمون شيئاً نراه ذا قيمة.
ومن هنا، يصبح زر الإعجاب أكثر من مجرّد رمز. إنه وسيلة رقمية لإظهار الامتنان، وتقدير المعرفة، وتشجيع المشاركة. فنحن، كبشر، مبرمجون عصبياً على الاستجابة للمكافأة والتفاعل الاجتماعي، وهو ما يجعلنا نستمرّ في الإعجاب والمشاركة، من دون أن نُدرك دائمًا أن وراء هذه النقرات الصغيرة تاريخًا تطوريًا طويلًا.
إن النجاح الكاسح لزر الإعجاب لا يعود فقط لبساطته أو لتصميمه الذكي، بل لأنه يستحضر شيئاً عميقاً ومتجذّراً في طبيعتنا البشرية: حاجتنا لأن نرى، وأن نُرى، وأن نحظى بالقبول والاعتراف من الآخرين.
0 تعليق