بكلمات مؤثرة وحضور لافت، افتتحت رئيسة لجنة تحكيم مهرجان كان السينمائي لعام 2025، الممثلة الفرنسية جولييت بينوش، الدورة الثامنة والسبعين من الحدث الفني الأبرز عالمياً، موجهة تحية إلى روح المصورة الصحفية الفلسطينية فاطمة حسونة، التي استشهدت في قصف إسرائيلي على قطاع غزة منتصف أبريل الماضي، في مشهد نادر في تاريخ المهرجان الذي لا يُعرف عادةً بانخراطه العلني في قضايا سياسية أو حقوقية.

مهرجان كان Cannes Festival 2025 يتحدث عن فلسطين

وفي كلمتها الافتتاحية التي ألقتها أمام حشد من كبار نجوم السينما العالمية، قالت بينوش: "كان ينبغي أن تكون فاطمة معنا الليلة. الفن يبقى، فهو الشهادة الأقوى على حياتنا وأحلامنا". وأضافت بصوت حمل الكثير من الشجن: "الحرب، الفقر، تغيّر المناخ، كراهية النساء... كل هذه الكوارث لا تمنحنا أي لحظة للراحة. لكن في مواجهة هذا الإعصار، لا خيار لنا سوى الدفع باللطف والتضامن إلى الواجهة، لنعالج جهلنا، ونغيّر مسارنا".

مهرجان كان يتحدث عن فلسطين:

جاءت تحية بينوش لفاطمة حسونة متزامنة مع عرض فيلم وثائقي عنها ضمن فئة موازية بالمهرجان، حيث تحوّلت قصتها إلى رمز لصمود الصحفيين الفلسطينيين في خضم المجازر المستمرة بحق المدنيين.

نداء من 400 فنان عالمي: "كسر الصمت" عن غزة

في اليوم نفسه، نُشرت رسالة مفتوحة موقّعة من نحو 400 فنان عالمي، بينهم المخرج الإسباني بيدرو ألمودوبار والممثل الأمريكي ريتشارد غير، دعوا فيها إلى كسر الصمت تجاه ما وصفوه بـ"الإبادة الجماعية" في غزة. وأشاد الموقعون بالمصورة الراحلة فاطمة حسونة، معتبرين أن ما جرى لها يجسّد ثمن الحقيقة المدفوع من الصحفيين في مناطق النزاع، وأن الفن يجب أن يبقى منحازاً للعدالة الإنسانية.

كما تطرقت بينوش في كلمتها إلى رهائن السابع من أكتوبر وكل من يُحتجزون أو يُقتلون أو يُنسَون في زوايا هذا العالم، داعية إلى تحويل الخوف إلى فعل في وجه العنف والتخلي والظلم.

عودة بينوش بعد 40 عاماً من ظهورها الأول

الممثلة الفرنسية المخضرمة عادت إلى "كان" هذا العام بعد مرور أربعة عقود على أول ظهور لها في المهرجان. ففي عام 1985، صعدت سلم "قصر المهرجانات" كممثلة شابة، واليوم تعود لتترأس لجنة التحكيم خلفاً للمخرجة الأمريكية غريتا غيرفيغ.

وقالت بينوش في تصريحاتها للصحافة: "قبل 40 عاماً، كنت شابة مليئة بالحماس والقلق، لم أتخيل حينها أن أعود بعد هذه المدة في موقع المسؤولية، أشعر بامتنان كبير لهذا الامتياز، وأدرك تماماً حجم المهمة".

نجوم على السجادة الحمراء وسط قيود غير مسبوقة

لم يكن الحدث هذا العام كغيره، فقد فرضت إدارة المهرجان قواعد جديدة وصارمة على الملابس المعتمدة خلال الحفل، خاصة فيما يخص الفساتين ذات التصاميم الكبيرة أو المكشوفة والشفافة. وجاءت هذه القواعد بهدف الحفاظ على الطابع الكلاسيكي والرصين للمهرجان، وفق ما أعلن منظموه.

وكانت أولى المتأثرات بهذه القواعد، الممثلة الأمريكية هالي بيري، التي كشفت خلال مؤتمر صحفي أنها اضطرت لتغيير فستانها الأصلي الذي صمّمه غوراف غوبتا، لأنه كان يحتوي على ذيل طويل لا يتماشى مع شروط اللباس الجديدة.

وقالت بيري: "كنت أتمنى ارتداء ذلك الفستان الرائع، لكنه لا يتوافق مع القواعد. بالطبع سأحترمها، واخترت فستاناً آخر لهذا المساء". ظهرت لاحقاً بفستان طويل مخطط باللونين الأبيض والأسود، نال إعجاب النقاد والمتابعين على حد سواء.

إطلالة ملكية لبينوش وتفاعل مع البساطة

أما جولييت بينوش، فلفتت الأنظار بإطلالة أنيقة اعتمدت البساطة والهدوء، حيث اختارت فستاناً بألوان ناعمة مع تسريحة شعر كلاسيكية ومكياج طبيعي، ما عزز حضورها الآسر على السجادة الحمراء. إطلالتها جاءت متناغمة تماماً مع قواعد المهرجان المستحدثة، ورسّخت صورتها كرئيسة تحكيم تجمع بين الذوق الرفيع والالتزام.

“كان 2025”: بين الفخامة والالتزام

انطلقت فعاليات المهرجان في أجواء احتفالية ساحرة جمعت بين نجوم من الصف الأول مثل ليوناردو دي كابريو وروبرت دي نيرو، إضافة إلى صناع سينما من حول العالم. ورغم اللمعان المعتاد للسجادة الحمراء، فإن طابعاً إنسانياً واضحاً غلّف دورة هذا العام، سواء من خلال الكلمات المؤثرة أو عبر الأفلام المشاركة التي تتناول قضايا إنسانية، على رأسها الحرب واللاجئين والهوية، ويُختتم المهرجان في 24 مايو بمنح جائزة “السعفة الذهبية” لأفضل فيلم ضمن المسابقة الرسمية، التي تضم 21 فيلماً تتنوع بين الروائي الطويل والوثائقي.

مهرجان “كان”... بين الفن والموقف

لعلّ أكثر ما يميز دورة 2025 من مهرجان "كان" هو ذلك المزج الواضح بين الالتزام الفني والإنساني. فالمهرجان، الذي لطالما وُصف بأنه واحة للفن السابع، بدا هذا العام أكثر انخراطاً في هموم العالم، وأكثر جرأة في اتخاذ مواقف تُذكّر بأن السينما ليست ترفاً، بل صوتاً قادراً على التأثير والتوثيق والتغيير.