نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
"عيلنة" الانتخابات البلدية بقاعاً موروث اجتماعي طافح بالذكورية... وحالات تتجرّأ على مواجهتها - تكنو بلس, اليوم الاثنين 12 مايو 2025 11:00 صباحاً
أغلق باب الترشح للانتخابات البلدية والاختيارية في البقاع التي تجري الأحد المقبل على مشهدية "دينامية مجتمعية ثقيلة الوطأة"، على ما يصفها المحامي والناشط الحقوقي محمد زين العابدين عراجي، ورد ذلك الى أنها "تنبع من مبدأ يرى ان العائلة هي قاعدة العمل الاساسية الناظمة للحدث بخطوطه العامة وتداعياته التفصيلية".
خذوا أخبارهم من وسائل التواصل الإجتماعي
ففي سياق التحضير لخوض المنازلة الإنتخابية، طفحت صفحات التواصل الاجتماعي بالمنشورات عن اجتماع العائلة الفلانية وترشيحها فلاناً للإنتخابات البلدية، مرفقة بصورة جامعة للعائلة، كلما ضاق إطار الصورة بإفرادها وإنحشر من فيها ليتّسع لهم، كلما أظهر ذلك القوة العددية للعائلة ومرشحها. لينتهي المشهد، كلياً أو جزئياً في بلدات البقاع وقراه، الى تنافس على المجالس البلدية تحت عنوان العائلية، بين لوائح عائلات تحالفاً وتنافساً وحتى توافقاً وتزكية.
يعيد الاستاذ الجامعي، المدير التنفيذي لـ"شبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية" ومنسق "الشبكة العربية لديموقراطية الانتخابات" زياد عبد الصمد العائلية التي تتحكم بإستحقاق عام الى عاملين: "الموروث الثقافي وضعف المواطنة"، مشيراً الى "أننا لا نزال مجتمعات عشائرية، ومجتمعات النواة الصغيرة فيها هي الاساس". ويشرح أن لذلك "علاقة بالثقافة عموماً، ونحن ثقافتنا ذكورية، تضاف اليها ثقافة الانتماء التي تبدأ من المستوى الاصغر، وهي علاقة عنقودية في مجتمع أبويّ: الانتماء الى الاسرة، العائلة الكبرى، البلدة، المحافظة... وذلك بسبب ضعف الانتماء المواطنيّ، فنحن لم نخلق بعد المواطنية الحقيقية. والمواطنية لا تخلق الا عندما يكون الانسان يتمتع بحقوقه كاملة، وأن تكون تلك الحقوق مصونة بالقانون، بدءاً من موضوع الامن".
وقد أطلق المحامي عراجي على هذه المشهدية مصطلح "عيلنة الحدث"، مشيراً الى أن "مما قاد إليه "تعيلن" الحدث الانتخابي، هو "تفوير" البنى العائلية او إخراج ما في جوفها من مخزون أو "تراث" تقليدي لايزال يتمتع بحضور مؤثر في السلوك الفردي والجماعي في آن واحد".
بين الإقصاء والاحتكار
أبرز تداعيات "عيلنة" الحدث الإنتخابي هو الاقصاء والاحتكار، فهذا الاجماع العائلي يقصي حكماً كل من لا يقع عليه إختيار العائلة، وإن توافرت فيه المؤهلات والسيرة الحسنة والطموح للمشاركة في السلطة المحلية. وكم من المنشورات او التسجيلات الصوتية التي تبرأت علناً، ليسمع القاصي والداني، من مرشح تجرأ أن يترشح من خارج الاجماع العائلي على تسمية مرشحها؟ واقع يختصره عراجي بأن "العائلية ليس لديها ما يُعطي الاولوية للبرنامج والخطة، وما يُولي الكفاءة والاهلية المقام الاول بين ظهرانيها. ففي شأن كهذا، لا "عوائد" لديها، ولن تكون لها في الغالب، ما بقيت على مكنونها التقليدي "العزيز".
أضف الى ذلك أن اعتبارات الاختيار هي في جوهرها إقصائية، إذ تتحكم بها مقاييس وصراعات مستترة وعلنية قائمة على "التمركز الجبيّ أو الفخذي" في كل عائلة - عشيرة، والمصطلح هنا أيضاً للمحامي عراجي، وبالتالي فالرأي الغالب في التسمية هو للجب الذي يتمتع بالنفوذ السلطوي سواء مادياً، سياسياً، عددياً، مكانة معنوية تاريخية أو إجتماعية. وقد يؤدي التوازن ما بين الاجباب، الى الانقسام داخل العائلة وإنتاجها لأكثر من مرشح.
إحتكار الإرادة الفردية هو ايضاً من سمات "عيلنة" الحدث، إذ إن العائلية تلزم من نال حظوة عائلته أن يترشح على اللائحة تبعاً للتحالفات المنسوجة بين العائلات، حتى لو كانت تلك اللائحة لا تمثل فكره ولا قيّمه. أما من يخرج عن طوع عائلته، فهو يتيم محروم أصوات عائلته، مما يضعف حظوظه في الإنضواء الى لائحة، ويضعف موقعه في اللائحة التي ستحتويه "بدلاً عن ضائع".
المرأة أولى ضحايا "العيلنة"!
إنما يبقى الشكل الأكثر فظاظة لتداعيات "عيلنة" الحدث هي الذكورية الطافحة الموّثقة بالصورة. فإجتماعات العائلة هي عبارة عن ذكور يرشحون ذكراً، لا أثر لإمرأة في تلك الاجتماعات، لا في الجلسة المقررة في العائلة ولا في مخرجاتها من حيث تسمية مرشحها. في وقت تلعب فيه علاقات المصاهرة دورها في نسج التحالفات وتزكية مرشح للعائلة على آخر، في تأبيد لدور المرأة خلف الكواليس و"وشواشة المخدة".
بين التمكين والواقع
وإذا كانت العائلات التي تعلّم بناتها وتتكلّ على عملهن مصدر دخل لا تزال قاصرة عن أن ترى في المرأة مشاركة في القرار وممثلة عنها، فالسؤال الذي يطرح نفسه: أين ثمار كل ورشات العمل والتدريب، التي كانت مدى السنوات الماضية الشغل الشاغل للجمعيات وللتمويل الخارجي، بغرض تمكين النساء من أجل لعب دورهن في المجتمع؟
المرشحة ندى صوان يحوطها رجال عائلتها.
يقول زياد عبد الصمد من خبرته العملية إن "مفهوم التمكين أبعد من التدريب وتوفير القدرات والإمكانات المادية والمساعدة التقنية، التمكين هو أن نزيل كل العقبات التي تقف أمام المرأة والشباب، هناك حواجز إجتماعية وثقافية إذا لم نزلها فيفقد التمكين الغرض منه". ويضيف: "أمام هذا الواقع، الحلقة الاضعف هي التي تهضم حقوقها وتدفع الثمن الاعلى، وبما أن المرأة هي من الحلقات الضعيفة فالسيدات يدفعن الثمن، والامر نفسه ينسحب على الشباب الذين يفترض أن يكونوا متمردين ليتمكنوا من الخروج عن طوع العائلة، وكذلك الفقراء، فالفقير مضطر الى مراعاة العلاقات الاجتماعية".
حالات تُخالف السائد وتؤكده
في منشور إعلان ترشحها لرئاسة البلدية وتبني العائلة لهذا الترشح، يحوط رجال عائلة صوان، المرشحة ندى صوان التي تتوسطهم. والصورة إن كانت تندرج في سياق "عيلنة الحدث" وإختصار دعم العائلة بالذكور منها، فإنه لا يمكن إنكار تقدمية المشهد. فالسيدة صوان ، مدعومة من عائلتها، تسجل سابقتين: هي أول أنثى في تاريخ بلدتها تبادر الى الترشح، ومن تلقاء ذاتها، وأول أنثى ترشح لرئاسة البلدية في قضاء زحلة. صوان آتية من مسار من العمل في الشأن العام والخدمة العامة، فهي ناشطة اجتماعية ورئيسة جمعية "وحدة المجتمع"، مؤسسة ناد لكبار السن، عضو في الهيئة الادارية لمتخرجي جامعة بيروت العربية وسبق أن ترأست نادي روتاري، وقد تكللت هذه المسيرة بترشحها لرئاسة البلدية في بلدتها الام سعدنايل، بعد أن أتاح القانون للمرأة المتزوجة ان تترشح في مسقطها.
عن مسيرة ترشحها تحدثنا مع المرشحة صوان التي قالت: "عندما قررت الترشح إستشرت عائلتي بداية، فشجعتني ودعمتني. في المقابل، كان لدى بعض العائلات مشاعر متباينة وهذا طبيعي، البعض فوجىء والبعض رحب والبعض الآخر تردد، فنحن لم نعتد، في مجتمعاتنا التي تسودها صورة نمطية عن دور المرأة، أن تتقدم المرأة الى هذا الموقع. لكن الجميل أن كثراً من أفراد العائلة عندما سمعوا مني مباشرة، ولمسوا إصراري وجديتي، تغيّر موقفهم وأصبحوا أول الداعمين. ومع الوقت إتسع التأييد لإنهم إقتنعوا بأن الكفاءة لا جنس لها، فالمرأة قادرة أن تكون قائدة إذا ما اعطيت الفرصة، وللمرأة القدرة على العطاء والادارة والرؤية لا يمكن لأحد نكرانها".

لافتة دعم نسائي للمرشحة وديان عراجي.
ترشّح فردي للتغيير في وجه العشائرية السلبية
تخوض الشابة وديان عراجي الترشح منفردة لعضوية المجلس البلدي في بلدتها بر الياس (قضاء زحلة) التي تتنافس فيها 3 لوائح انتخابية تقليدية يغلب عليها الطابع العائلي، لتجسد بذلك مسيرتها المستمرة في محاربة "العشائرية السياسية السلبية" منذ أيام دراستها الجامعية. فقد أسست مع عدد من أبناء البلدة الجامعيين، جمعية "ملتقى بر الياس"، عام 2015، بهدف خلق مساحة جامعة لأبناء العائلات المختلفة، بعيداً من العصبيات، وكانت باكورة مشاريعهم "برج الساعة" وسط البلدة الذي موّلته العائلات مجتمعة، ليشعر الجميع بإنجاز مشترك. لاحقًا، إجتمعت وديان بمجموعة من الشباب المؤمنين بأن "الولاء للعائلة يجب ألا يكون على حساب مصلحة البلدة"، وسعوا منذ أكثر من عامين إلى كسر حاجز الخوف لدى الناس من التغيير. ومع إقتراب موعد الإنتخابات، قرروا تشكيل لائحة "معاً نحو التغيير" من دون تمويل أو دعم سياسي، إستقرت على 4 أفراد نتيجةً للإنسحابات تحت وطأة الضغوط، لكنهم إستمروا. ومع ضيق الوقت، قرروا التحالف مع لائحة قوية تضم عناصر قريبة منهم، فانضوى رفاقها الثلاثة فيها، فيما آثرت وديان أن تلعب دور الداعم لهم على طريق إحداث التغيير من الداخل.

ملفات بلدية وما أكثرها.
غير أن الاستقطاب العائلي إستعرّ في وجه جرأة التغيير بالقول والفعل، ولجأ الى أساليب الضغوط النفسية والتجريح الشخصيّ العلني، فخسرت وديان من كان لها "السند والدعم النفسي لي بالتحدي الذي خضناه معاً مدى سنتين ونصف سنة"، بعزوف المحامي محمد زيد الدين عراجي، عن الترشح.
إلا أنه "رفضاً لكل ما شهدته"، تغلبت على "كل اليأس والوجع الذي زرعوه فينا"، وقارعته بالترشح منفردةً، مع إستمرارها في دعم رفيقيها في اللائحة "وكل رفاقي التغييريين في باقي اللوائح"، في محاولة لإتاحة خيار جديد للناس الراغبة في التغيير. وتعتبر أن مجرد خوضها التجربة هو "بمثابة استفتاء على رغبة الناس في التغيير"، ولو لم تفز.
كيف السبيل لكسر طوق العائلية؟
يرى المحامي عراجي "ضرورة تحرير السياسة من "العيلنة"، بإعادة الاعتبار اليها عن طريق بنائها على قواعد وأسس مدنية وحديثة تحكم الحدث الانتخابي، وتؤطر عناصره بأولويات سياسية واضحة يمكن لها ان تستوعب العائلة وتتعامل معها كأحد عناصره، لئلا تبقى قاطرته أو المساهم الأول في صنع مجراه".
ويشدد عبد الصمد على "البدء ببناء ثقافة مجتمعية جديدة، مختلفة نوعياً عن الثقافة السائدة"، ويطرح باباً يبدأ بالتغيير من القاعدة الفيصل، من خلال "تحسين آليات إدارة العملية الانتخابية لتعزيز سرية الاقتراع"، وهو ما يعتبره أساساً "لإستقلالية الإختيار". ويقترح إستبدال قلم الإقتراع بمركز إقتراع عام بصناديق موّسعة، وفي حال تعذر تطبيقه "فرز الاصوات على أساس الأقلام مجتمعة، بحيث تختلط أوراق الناخبين فيستحيل تحديد هوية الصوت أو توجهه، حينها تتعزز إستقلالية المرأة والشباب بالاختيار من دون الخوف من تبعات خياراتهم".
0 تعليق