نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
محمد شكري... وحدة، حرية، عزوبية - تكنو بلس, اليوم الخميس 8 مايو 2025 04:08 صباحاً
في حوار صحافي أجريته معه، نُشر يوم 30 آذار/مارس 1990 في مجلة “الشرق الأوسط” الأسبوعية اللندنية، روى لي الصديق الكاتب المغربي الراحل محمد شكري، الذي غادر دنيانا الفانية منذ أكثر من 21 سنة، وهو سيد الكُتّاب والمبدعين العُزّاب، أنه فكّر في الزواج عدة مرات للتخلّص من الوحدة التي لم يكن قد ألفها بعد، لسبب بسيط، هو أنه كان يسقط مريضاً ويحتاج إلى من يعتني به ويقضي له بعض الحاجات الضرورية في المنزل. لكنه سرعان ما اكتشف أن هذا التفكير خاطئ، إذ إن الزواج من أجل أن يساعده الآخر إنما هو في الحقيقة بحث عن “ممرضة” لا عن “زوجة”.
وذكر شكري أنه خلال المرات التي فكّر فيها في الزواج، كان يعتقد أنه وقع في أسوأ أنواع العلاقات. فمرة أراد أن يتزوج، فوجد أن راتباً شهرياً سيتزوج براتب شهري آخر، ثم اكتشف أنه لن يتزوج بامرأة فقط، بل بطابور من أقربائها المرتبطين بها على شكل “قاطرة”!
ومرة أخرى، فكّر شكري في الزواج بنادلة في حانة، فصارحته بأنها تحتاج إلى خمسين درهماً في اليوم كمصروف لإخوتها وأمها، وهو مبلغ كان يُعتبر كبيراً آنذاك، وهو نفسه لم يكن يكسبه.
فضلاً عن الشيخوخة، وجد شكري مبررات أخرى للابتعاد عن الزواج، منها ارتباطه بعلاقات أدبية وإنسانية كثيرة.
فالزوجة، في نظره، لن تسمح له بربط هذه العلاقات، ولن تتصوره مع سيدة أخرى إلا وهما في حالة “شك”، والسبب في ذلك هو سوء النية. لذا، فهو يرفض أي علاقة يشوبها الشك أو النية السيئة.
طبعاً، ليست كل النساء كذلك، لكن لسوء حظ شكري، لم يصادف في طريقه سوى هذا النوع.
وكان هناك رادع آخر من الزواج، يتمثّل في العلاقات التي يعيشها بعض أصدقائه المتزوجين، وهي علاقات يشوبها نوع من الغيرة القاتلة.
لقد عرف شكري كثيرين منهم قبل أن يتزوجوا، وكانوا مهتمين بالأدب، يقرأون جيداً ويكتبون بغزارة، لكن بمجرد أن تزوجوا، حال “النحس” بينهم وبين التركيز والكتابة الجيدة.
واعترف شكري قائلاً لي: "لو أنني تزوجت بامرأة تنحسني بهذا الشكل، لوجدتَ عشّاً من التجاعيد في وجهي".
ربما خطرت في بال شكري أيضاً قصة الفيلسوف اليوناني سقراط، وحالت دون ارتباطه. كان سقراط متزوجاً من سيدة تُدعى زانتيب، وصفها كثيرون بأنها “صعبة الطبع والمِراس”، ويقال إنها كانت كثيرة الصراخ واللوم.
وقد نُقل عن سقراط قوله الساخر: "تزوّج، فإن حصلتَ على زوجة صالحة ستكون سعيداً، وإن حصلتَ على نكدية فستصبح فيلسوفاً!”.
لكن، ألم يحلم شكري بأن يكون أباً؟
يقول في هذا الشأن: "لدي فكرة قد لا تُعجب الآخرين. فأنا لستُ مرتبطاً كثيراً بتكوين الأسرة، وأعتبر أطفال الناس هم أطفالي. الطفل هو طفل، سواء كان من صُلبي أو من صُلب الآخرين. كما أنه لا يوجد لدي شعور بالنقص لا من جهة الزواج، ولا من جهة الأبوة".
لم يكن لدى شكري شعور عميق بالارتباط العائلي، بل كان يكرهه. ولعل ذلك يرجع إلى كونه عاش دائماً مصدوماً بسبب الخلافات التي كانت تقع بين والده ووالدته وإخوته.
لم يتزوّج شكري قط بامرأة، لكنه تزوّج مدينة، وأقصد هنا طنجة، التي وصف زواجه بها بأنه “زواج كاثوليكي”، أي زواج لا طلاق فيه. فمهما افترقا، لا يصلان إليه.
علاقة شكري مع طنجة لم تكن مجرد علاقة مع أشخاص فقط، بل أيضاً مع المقاهي والحانات والمطاعم والشوارع والأزقة الخلفية.
لم يكن شكري أيضاً الأول ولا الأخير من بين الكتّاب والأدباء والشعراء والفلاسفة الذين ظلوا يرفلون في دمقس وحرير العزوبية، فالتاريخ يشهد على كثيرين منهم.
إن أبا العلاء المعري (973–1057)، الملقّب "رهين المحبسين”، اشتهر بفكره الزهدي والتشاؤمي، ورفضه للزواج والإنجاب، وكان يرى أن الإنجاب ظلم للمولود بسبب معاناة الحياة. وقد ختم حياته بمقولته الخالدة قبل رحيله: "هذا جناه أبي عليّ، وما جنيتُ على أحد".
وعاشت الأديبة اللبنانية مي زيادة (1886–1941)، حياة العزوبية رغم إعجاب الكثيرين بها، ومن أبرزهم جبران خليل جبران وعباس محمود العقاد .
ولم يتزوج الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط (1724–1804) لاعتقاده أن الزواج سيعطله عن التفكير، وسيُخل بنظام حياته الصارم.
وظل الفيلسوف الألماني أرثر شوبنهاور (1788–1860) عازفاً عن الزواج، إذ هاجم الفكرة مثلما هاجم المرأة كثيراً، وكان يرى أن "الزواج مغامرة خاسرة… لأن نهايتها مؤكدة بالخسارة ".
تبقى ظروف عدم زواج الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه (1844–1900)، راجعة لمعاناته النفسية ورفض النساء له، ما سبب له إحباطاً عاطفياً شديداً، انعكس في فلسفته المتشائمة.
وتخلف الشاعر والكاتب الوجودي التشيكي فرانز كافكا (1883–1924) عن الزواج رغم تعدد علاقاته وخطوباته. إذ حسم المسألة وكتب: "أنا لستُ صالحاً للزواج. كل ما أريده هو أن أكون وحيداً"، مردداً بذلك مع شكري وشوبنهاور وكانط، بصوت واحد، شعار العزاب الخالد: "وحدة، حرية، عزوبية".
0 تعليق