أزمة التمثيل المحلي في الانتخابات البلدية في ظل نظام الامتيازات اللبناني - تكنو بلس

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
أزمة التمثيل المحلي في الانتخابات البلدية في ظل نظام الامتيازات اللبناني - تكنو بلس, اليوم الأربعاء 7 مايو 2025 10:58 صباحاً

الدكتور سمير حسن عاكوم

 

مع انطلاق الاستحقاق البلدي والاختياري في لبنان، يعود النقاش الى دور البلديات، هوية المرشحين وشكل التحالفات. إلا أنّ هذا النقاش في جوهره يعيد إنتاج مأزق لبناني مركّب، يتحوّل فيه التنافس البلدي من فرصة للمساءلة والتنمية إلى صراع على النفوذ والتمثيل، في إطار نظام امتيازات يختزل السياسة بالولاء والمواطنة بالتبعية.
هي ليست أزمة انتخابات بلدية فحسب، بل أزمة تمثيل محلي بنيوي في ظل نظام سياسي اجتماعي يجعل من الطائفة والعائلة أدوات نفوذ بدل أن تكون وسائط مشاركة ديموقراطية.
نظرياً، الانتخابات البلدية هي الأداة الأقرب للمواطن والحيّز الأول لتطبيق الحكم الرشيد والحوكمة المحلية. لكن بالممارسة اللبنانية يتحوّل هذا الاستحقاق إلى مرآة دقيقة لبنية السلطة القائمة، بحيث يتم إنتاج "التمثيل المحلي" من خلال شبكات الولاء العائلي والطائفي والمناطقي لا عبر التنافس بين المشاريع التنموية أو الأداء الإداري.
ففي القرى ذات الطائفة الواحدة، يُعاد تشكيل المجالس البلدية وفق الولاءات العائلية والفئوية، ويُقدَّم المرشّح بصفته "ابن البيت" أو "الفرع" لا بصفته صاحب رؤية أو برنامج. وفي القرى المختلطة طائفياً، يتحوّل الاقتراع إلى اختبار توازن طائفي هشّ، تسعى كل طائفة الى ضمان حصتها الرمزية بغضّ النظر عن الكفاءة أو الأولويات الإنمائية. أما في المدن والبلدات الكبرى، فتتقدّم اللوائح الانتخابية كتحالفات بين زعامات سياسية ومصالح اقتصادية، ويُدار العمل البلدي كملحق سياسي لا كمؤسسة حكم محلي مستقل.
هذا الشكل من التمثيل ليس عرضاً مرحلياً، بل هو نتيجة مباشرة لبنية زبائنية تُعيد إنتاج ذاتها عبر كل استحقاق وتُفرغ الديموقراطية من مضمونها التنموي.
خلافًا لما يُشاع، فإن الطائفية رغم خطورتها  ليست الجوهر الحقيقي للمشكلة، بل أداة من أدوات نظام الامتيازات اللبناني الذي يقوم على تفضيل الانتماء على الجدارة والولاء على الكفاءة والخدمة المشروطة على الحق المكتسب.
هذا النظام، الذي يُصنّف في علم الاجتماع السياسي ضمن نماذج "الرعاية الزبائنية "Clientelism، لا يتيح للبلديات أن تكون منصّات للتخطيط المحلي أو التنمية المجتمعية، بل يحوّلها إلى مراكز نفوذ لتوزيع الخدمات على قاعدة التبعية والوساطة السياسية. والنتيجة ضعف في مساءلة المنتخبين، غياب للبرامج التنموية، وتحوّل التمثيل المحلي إلى وظيفة رمزية وليست أدائية.
كيف يكون الإصلاح؟ لا يكفي التنديد بسلوك الناخب أو المرشّح، بل يجب النظر إلى العملية من منظور بنيوي يقتضي تدخلًا متعدد المستوى:
أولاً، إعادة بناء الإدراك السياسي المحلي، هذا يُعرف في علم النفس الاجتماعي بـ"إعادة تأطير الإدراك الجمعي" أي نقل المواطن من التفكير الهوياتي إلى التفكير الأدائي، لا أسأل "ابن مَن هو؟" بل "ماذا يقدّم؟ وما هو برنامجه؟"
ثانياً، إصلاح القانون الانتخابي البلدي، النظام الأكثري يعزّز العصبيات. المطلوب اعتماد النظام النسبي على أساس برامج، مع تشجيع جمعيات ومجموعات مدنية مستقلة على خوض غمار التمثيل المحلي.
ثالثاً، دعم الشباب، فهُم الفئات الأكثر بُعداً عن تركيبة النظام التقليدي والأكثر قدرة على كسر الحلقة المفرغة، إذا ما أُتيح لهم التمكين والتدريب والدعم القانوني والتمثيلي (كوتا).
رابعاً، تطوير الإعلام المحلي كأداة مساءلة، يجب الانتقال من تغطية الزعامات إلى تغطية المشاريع والموازنات ومن المديح إلى الضغط ومن الشخص إلى السياسة.
خامساً، فصل الخدمات عن التمثيل السياسي، لا ديموقراطية محلية من دون بناء مؤسسات خدماتية مستقلة وشفافة، يحصل عبرها المواطن على حقوقه من الدولة لا عبر الوسيط السياسي.
البلدية ليست كياناً تقنياً صغيراً، بل هي مختبر مصغّر للديموقراطية الممكنة. إصلاحها لا يعني تحسين الطرق و(معالجة) النفايات فحسب بل اختبار قدرة اللبنانيين على كسر هيمنة الامتيازات وبناء نظام محلي عادل، تمثيلي، وفعّال.
إنّ أزمة التمثيل المحلي ليست أزمة شكل انتخابي أو بنية قانونية فحسب، بل هي انعكاس لثقافة سياسية اجتماعية عميقة. وإذا أردنا مستقبلاً مختلفاً، فإنّ نقطة الانطلاق يجب أن تكون إعادة تعريف التمثيل على مستوى الحارة، الحيّ والقرية بالتزامن مع المشروع الوطني.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق