56 عاما على رحيل الصوت الباكى.. رحلة الشيخ محمد صديق المنشاوي فى عالم التلاوة
في مثل هذا اليوم 20 من يونيو عام 1969، رحل عن عالمنا الشيخ محمد صديق المنشاوي، ذلك الصوت الذي ترك أثرًا لا يمحى في عالم تلاوة القرآن الكريم، ليصبح واحدًا من أشهر القراء المصريين وأيقونة من أيقونات التلاوة في العالم الإسلامي مرور 56 سنة على رحيله، هو فرصة للتأمل في حياة رجل حمل عبء رسالة عظيمة، ألهب بها مشاعر الملايين، وأشعل نورًا في قلوب المستمعين.
قال عنه الشيخ محمد متولي الشعراوي "من أراد أن يستمع إلى خشوع القرآن فليستمع لصوت المنشاوي، فإنه ورفاقه الأربعة مصطفى إسماعيل، وعبد الباسط، والبنا، والحصري، يركبون مركبًا، ويبحرون في بحار القرآن الكريم، ولن تتوقف هذه المركب عن الإبحار حتى يرث الله الأرض ومن عليها."
وهذا الوصف يلخص مكانة المنشاوي بين كبار القراء، حيث اشتهر بصوته المرتل المجود، وحصل على لقب "الصوت الباكي" لقدرته الفريدة على بث مشاعر الخشوع والتأثر في المستمع.
وقال عنه الموسيقار الراحل محمد عبدالوهاب "في تقديري، إنه يمكن التعليق على أي قارئ من القراء إلا المنشاوي الذي يمثل حالة استثنائية يحار أمامها الذائق الفاهم، من يتأمل مخارج الحروف عنده يصعب أن يجد لها وصفًا، وذلك لما منحه الله من حنجرة رخيمة، ونبرة شجية تلين لها القلوب والجلود معا، ويتجلى ذلك عند ختامه للتلاوة، فتراه يستجمع كل إبداع التلاوة في آخر آيتين، بحيث يجعلك تعيش معه أشد لحظات الخشوع على الإطلاق، وما عليك إلا أن تتأمل استرساله ما بين السرعة والتلقائية العجيبة، كما في سورة الإسراء، وبين الهدوء وخفض الصوت كما في سورة العلق، عند قراءته "كلاَّ إنَّ الإنسان ليطغى أنْ رآه استغنى، إنَّ إلى ربك الرجعى".
ولد الشيخ محمد صديق المنشاوي في 20 يناير 1920 بقرية المنشاة في محافظة سوهاج، في منزل قرآني عريق، حيث كان والده وجده من أشهر قراء القرآن في مصر وعلى هذا النهج تربى وحفظ القرآن في سن مبكرة، لينطلق بعدها في رحلة التلاوة.
بدأت مسيرته مع التلاوة من خلال مشاركته في السهرات القرآنية برفقة والده وعمه، حتى جاءت فرصته للقراءة منفردًا في ليلة من عام 1952 بمحافظة سوهاج، ومن هناك بدأ اسمه يلمع في الأوساط القرآنية.
انتقل إلى القاهرة لاستكمال تعليمه الديني في علوم القرآن والقراءات، وظل يتلو في السهرات القرآنية، حتى ذاع صيته بصوته الخاشع وحساسيته المميزة التي حملت الحزن والهيبة معًا. رغم تردده الأولي، إلا أنه انضم لاحقًا إلى الإذاعة المصرية بعد إلحاح أصدقائه، وتم تسجيل أولى تلاواته عام 1953، ليبدأ بعدها رحلة من التسجيلات الخالدة التي ما زالت تُدرس وتُستمع حول العالم.
في عام 1966، أصيب بمرض في المريء نصحه الأطباء بتجنب إجهاد الحنجرة، إلا أن الشيخ المنشاوي رفض التوقف، واستمر في تلاوة القرآن حتى آخر يوم في حياته ورحل في 20 يونيو 1969، ودفن في مقبرة بسيطة بقرية المنشاة بمحافظة سوهاج.
يُروى أن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر كان معجبًا بصوت المنشاوي، وطلبه للقراءة في مأتم والده بالإسكندرية وبعد انتهاء العزاء، دعا عبد الناصر الشيخ للمبيت في الغرفة المجاورة، وفي صباح اليوم التالي طلب منه ترتيل آيات من الذكر الحكيم، في مشهد يعكس تقدير القائد لصوت وهالة الشيخ.
وأول أجر حصل عليه الشيخ محمد صديق المنشاوى في ترتيل القرآن الكريم 10 صاغ وكان ذلك عام 1931 وكان عمره 11 سنة، وأول أجر حصل عليه من الإذاعة 12 جنيها في تلاوة النصف ساعة وفي عام 1967 بلغ أجره في الإذاعة 25 جنيها".
سافر الشيخ محمد صديق المنشاوى إلى العديد من البلدان، بدعوات من رؤساء دول وكان يحمل فى الخمسينيات لقب "مقرئ الجمهورية العربية المتحدةفى عام 1955 إلى إندونيسيا وحصل على نيشان وطني، وأول بلد عربي زارها كانت سوريا بدعوة من الإذاعة وحصل على نيشان من سوريا ثم زار الأردن والسعودية وليبيا والجزائر، وقرأ القرآن الكريم في المسجد النبوي والمسجد الحرام والمسجد الأقصى".
وللشيخ قصة طريفه حول المنزل الذى بناه أسفل منزل في الستينات، وجاءت عن قصة إنشاء المسجد انه بنا منزلًا وبعد أن أتمه كان الدور الأرضي مخصص كجراج للسيارات والمهندس رفض عمل جراج وعندها تعاقد الشيخ مع هيئة البريد وأحد البنوك لاستئجار الدور الأرضى، وطلبوا بعض التعديلات وبعدما إتمام تلك التعديلات ردد الشيخ بينه وبين نفسه لماذا لا يصبح هذا المكان مسجدا وحينها أيضا عرض عليه أحد أصدقائه المسيحيين وترسخت فكرة بناء المسجد عند الشيخ وقام الشيخ بفسخ القعد البريد وسمسمى الشيخ محمد صديق المنشاوى المسجد باسم والده الشيخ صديق المنشاوي".
في الذكرى السادسة والخمسين لرحيله، يقف المستمع أمام إرث صوتي وروحي خالد، صوتٌ ما زال يشع نورًا وهدى، ويجمع بين التقوى والحنان، وينقل القلوب إلى عوالم من السكينة والخشوع. يبقى الشيخ محمد صديق المنشاوي مدرسة في فن التلاوة، ورمزًا من رموز الإخلاص والتفاني في خدمة القرآن الكريم.

أسم الشيخ محمد صديق على مقبرته (1)

أسم الشيخ محمد صديق على مقبرته (2)

المقبرة من الداخل

حتى الاطفال يأنسون بالتواجد فى المقبرة

مدخل المقبرة الرئيسى

مقبرة الشيخ محمد صديق المنشاوى

هنا يرقد صاحب الصوت الباكى
0 تعليق